واحدة، فإنهم لما انحدروا من عقبة حلوان أراد الرّكوب، فجاء بعض أصحاب إبراهيم بن غسان فطأطأ له ظهره، حتى ركب في المحمل على البغل، فلما استوى على المحمل قال للذي حمله على ظهره مازحا: أتأخذ أرزاق بني العباس وتخدم بني علي بن أبي طالب! وتبسم، وكان يقال للرجل محمد الشعراني، وكان من شيعة ولد العباس الخراسانية.
فقال له: جعلت فداك، ولد علي وولد العباس عندي سواء، فما سمعناه مزح ولا رأيناه تبسّم قبل ذلك ولا بعده، ولا رأيناه اغتم من شيء جرى عليه إلّا يوم ورد عليه كتاب المعتصم وقد وردنا النهروان، فكتبنا إليه بالخبر واستأذناه في الدخول به، فورد علينا كتابه يأمرنا أن نأخذ جلال القبّة ونسير به مكشوفا، وإذا وردنا النهرين أن نأخذ عمامته وندخله بغداد حاسرا وذلك قبل أن يبني سرّمن رأى، فلما أردنا الرحيل به من النهروان نزعنا جلال القبة، فسأل عن السبب في ذلك فأخبرناه، فاغتم بذلك. ولما صرنا بالنهرين قلنا له يا أبا جعفر: انزع عمامتك فإن أمير المؤمنين أمر أن تدخل حاسرا، فرمى بها إليّ ودخل الشّمّاسية في يوم النيروز، وذلك في سنة تسع عشرة ومائتين، وهو في القبة وهي مكشوفة وهو حاسر، وعديله شيخ من أصحاب عبد الله بن طاهر، وأصحاب السماجة «1» بين يديه يلعبون، والفراغنة «2» يرقصون، فلما رآهم محمد بكى ثم قال: اللهم إنك تعلم أني لم أزل حريصا على تغيير هذا وإنكاره.
قال: وجعلت الفراغنة يحملون على العامة ويرمونهم بالقذر والميتة «3» ، والمعتصم يضحك، ومحمد بن القاسم يسبّح ويستغفر الله ويحرّك شفتيه يدعو عليهم، والمعتصم جالس في جوسق كان له بالشّمّاسية ينظر إليهم، ومحمد واقف.
ولما فرغ من لعبه مرّوا بمحمد بن القاسم عليه، فأمر بدفعه إلى مسرور الكبير، فدفع إليه، فحبس في سرداب شبيه بالبئر «4» فكاد أن يموت فيه، وانتهى ذلك إلى المعتصم فأمر بإخراجه منه، فأخرجه وحبس في قبة في بستان موسى مع