نام کتاب : معالم حضارات الشرق الأدني القديم نویسنده : محمد أبو المحاسن عصفور جلد : 1 صفحه : 5
مقدمة
كان الاعتقاد السائد لدى الكثيرين إلى زمن قريب أن دراسة الحضارات القديمة لا يتناولها بالبحث إلا بعض الخاصة من المرفهين أو المترفين الذين يشبعون هوايتهم في التعمق في الدراسة والبحث عن المجهول؛ ولكن نظرًا لأن كل ما تزخر به الحياة الراهنة من منتجات وخبرات وعادات وتقاليد ومظاهر مختلفة أخرى؛ إنما ترجع في أصولها إلى مختلف الجهود البشرية، وقد وضعت أسسها منذ عصور سحيقة وتطورت بمرور الزمن حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن فإن هذه الدراسة لم تعد موضوعًا قاصرًا على فئة من الناس بل ولا يمكن أن تفضل دراسة حضارة أمة على حضارة أمة أخرى غيرها؛ ولذا أخذ الاهتمام بها يتزايد حتى أصبحت دراستها منتشرة في جميع أنحاء العالم المتمدين وكثيرًا ما تتضافر جهود الباحثين من مختلف الدول والشعوب في دراسة الحضارات القديمة وتشجيعها على اعتبار أنها التراث الإنساني الذي استمدت منه مختلف الأمم أصول حضاراتها الحالية، ومن ثم يعملون على توفير أسباب هذه الدراسة بموالاة الكشوف الأثرية وترميم الآثار المختلفة ويعكفون على دراسة اللغات القديمة حتى يتمكنوا من وضع صورة حية أو قريبة من الواقع لهذه الحضارات ومظاهرها المختلفة، وهكذا تشعبت فروع البحث وتعددت نواحيه حتى أصبح
أولًا: حضارة مصر
التعرف على الحضارة المصرية:
لعل من أشق الأمور دراسة الحضارة المصرية دراسة شاملة وافية؛ لأنها وإن تناولها الباحثون بالدراسة في عصور مختلفة؛ إلا أن الكشف عن أسرار اللغة المصرية لم يتم إلا منذ فترة وجيزة نسبيًّا وعلى ذلك ظلت حضارة مصر غامضة بالنسبة لهؤلاء الباحثين رغم أن آثارها كانت تحيط بهم وفي متناول أيديهم؛ فاليونان مثلًا صادفتهم عقبات كثيرة في تفهم تلك الحضارة؛ بل إنهم حينما جاءوا إلى مصر دهشوا أشد دهشة لما شاهدوه من حضارة في وادي النيل؛ حيث كانوا يعتقدون بأنهم أرقى الأمم حضارة وثقافة، وقد بدت لهم مظاهر الحضارة المصرية غاية في الغرابة والغموض وكانوا بين مقدر لها وساخر منها؛ ولكن الأغلب أنهم كانوا يكنون لها الاحترام العميق مع أنهم عجزوا عن تفسير كثير مما شاهدوه من الاختلافات بينها وبين حضارتهم، وقد استهوتهم كذلك بعض قواعد السلوك عند المصريين؛ ولذا نجدهم يقارنون مظاهر هذه الحضارة بمظاهر حضارتهم فيذكر هيرودوت مثلًا: بأن المصري كان يكتب من اليمين إلى اليسار في حين تكتب شعوب العالم الأخرى من اليسار إلى اليمين وفي مصر تخرج المرأة إلى الأسواق وتقوم بالعمل في الحقول؛ بينما يظل الرجل في البيت؛ ليقوم بالغزل أو النسيج، كما أن النساج المصري كان يدفع لحمة النسيج من أعلى إلى أسفل وهذا كله عكس ما يحدث في البلاد الأخرى.
ومع أن العالم القديم ظل ينظر إلى المصريين على أنهم شعب غريب
نام کتاب : معالم حضارات الشرق الأدني القديم نویسنده : محمد أبو المحاسن عصفور جلد : 1 صفحه : 5