ليال بقين من رجب سنة إحدى ومائة. فعزل وولى مكانه يزيد بن أبى مسلم كاتب الحجّاج، ولّاه يزيد بن عبد الملك فى سنة إحدى ومائة.
وعبد الله بن موسى بن نصير يومئذ بالمشرق، فقدم مع يزيد بن أبى مسلم إلى إفريقية، حتى إذا كان قريبا منها تلقّاه الناس، فلما دخل القيروان عزم يزيد بن أبى مسلم على عبد الله بن موسى بن نصير أن ينصرف إلى منزله، فمضى عبد الله إلى داره، وأمر يزيد الناس باتّباعه حتى ظنّوا «1» أنه شريك معه، فلما أدبر عبد الله ألحقه يزيد رسولا بأن أعدّ من مالك عطاء الجند خمس سنين.
ثم إنّ يزيد بن أبى مسلم أخذ موالى موسى بن نصير من البربر، فوشم أيديهم وجعلهم أخماسا، وأحصى أموالهم وأولادهم، ثم جعلهم حرسه وبطانته، وأخذ محمد بن يزيد القرشى فعذّبه وجلده جلدا وجيعا فاستسقاه فسقاه رمادا، وكان محمد بن يزيد قد ولى عذاب يزيد بن أبى مسلم بالمشرق فى زمان الحجّاج، فقال له يزيد: إذا أصبحت عذبتك حتى تموت أو أموت قبلك، وكان قد بنى له فى السجن بيتا ضيّقا فجعله فيه، وكساه جبّة صوف غليظة، وطبع عليها بخاتم من رصاص.
فلما تعشّى يزيد بن أبى مسلم أتى فى آخر طعامه بعنب، فتناول منه عنقودا، وأهوى إليه رجل من حرسه يقال له حريز بالسيف فضربه، حتى قتله، واحتزّ رأسه ورمى به فى المسجد عتمة، فأقبل غلام لمحمد بن يزيد، فدخل عليه السجن فقال: أبشر فإن يزيد قد قتل، فقال له محمد: قد كذبت، وظنّ أنه دسّ إليه، ثم اتّبعه آخر من غلمانه ثم آخر، حتى توافوا سبعة، فلما تيقّن محمد بموت يزيد أعتق العبيد.
قال ويقال بل كان حرس يزيد بن أبى مسلم حين قدم البربر ليس فيهم إلّا بترى، وكانوا هم حرس الولاة قبله البتر خاصّة، ليس فيهم من البرانس أحد فخطب يزيد بن أبى مسلم الناس فقال: إنى إن أصبحت صالحا وشمت حرسى فى أيديهم كما تصنع الروم، فأشم فى يد الرجل اليمنى اسمه، وفى اليسرى حرسى، فيعرفوا بذلك من غيرهم، فأنفوا من ذلك، ودبّ بعضهم إلى بعض فى قتله، وخرج من ليلته إلى المسجد لصلاة المغرب فقتلوه فى مصلّاه. وكان قتله كما حدثنا يحيى بن بكير، عن الليث بن سعد فى سنة ثنتين ومائة.