نام کتاب : شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام نویسنده : التقي الفاسي جلد : 1 صفحه : 63
يدل لملك غيره، وهذا يخالف رأي من استدل به على أن دور مكة مملوكة لأهلها، ويبعد أن يقاس على دار أبي سفيان غيرها من دور مكة التي كانت لغيره من مسلمة الفتح، لأن ملك أبي سفيان لداره لا ينبغي أن يختلف فيه، لكونه أسلم قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة بمر الظهران، وبإسلامه أحرز نفسه وماله، ومثله في ذلك حكيم بن خزام، وبديل بن ورقاء الخزاعي، لأنهما أسلما معه بمر الظهران على خلاف في بديل، فإنه قيل: أسلم قبل الفتح، وغيره من مسلمة الفتح في ملكهم لدورهم بمكة خلاف بين أهل العلم سببه الخلاف في فتح مكة، هل هو عنوة أو صلح، وفي كونه صلحا نظر سبق بيانه، وأقرب ما يستدل به على ملك دور مكة، كون النبي صلى الله عليه وسلم منَّ بها على أهلها فلم يقسمها، والله أعلم.
ورأيت في شرح مسلم المشار إليه ذكر السبب الذي لأجله قيل إن مكة فتحت صلحا، لأن فيه: وإنما شُبِّهَ على القوم لأجل أنه صلى الله عليه وسلم لم يستبح أموالها، ولا قسمها بين الغانمين، فلما رأى الشافعي رضي الله عنه- هذا، وخروجه عن الأصل اعتقد أنه صلح، وهذا لا تعلق له فيه، لأن الغنيمة لا يملكها الغانمون بنفس القتال على قول كثير من أصحابنا، وللإمام أن يخرجها عن الغانمين، ويمُنُّ على الأسرى بأنفسهم وحريمهم وأموالهم، وكأنه صلى الله عليه وسلم رأى من المصلحة بعد الفتح والاستيلاء عليهم أن يبقيهم لحرمة العشيرة وحرمة البلد، وما رجي من إسلامهم وتكثير عدد المسلمين بهم، فلا يرد ما قدمناه من الأدلة الواضحة بمثل هذا المحتمل، وفي شرح مسلم المشار إليه.
وقال بعض أصحاب الشافعي بقوله: إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة صلحا، أي فعل فيها فِعْلَه في مَن صالحه، فمَلَّكَه نفسَه وماله وأرضه، لأنه لم يدخلها إلا بعد أن أمَّن أهلها كلهم، وهذا من قول أصحابه اعتذار من قوله الذي انفرد به، وميل إلى قول الجماعة من افتتاحها عنوة، وإنما من عليهم وعفا عنهم وملكهم أموالهم ... انتهى.
وقد رأيت ما يدل على أن الإمام الشافعي لم ينفرد بقوله: إن مكة فتحت صلحا، لأني رأيت في نسخة من "المهذب" للشيخ أبي إسحاق الشيرازي، بخط سليمان بن خليل، حاشية بخطه أولها: ومذهب الشافعي -رحمه الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة صلحا بأمان قومه لهم قبل دخوله، وروي ذلك عن أبي بن عبد الرحمن، ومجاهد، وذكر بقية الحاشية، وفوقها مكتوب بخط ابن خليل أيضا، صورته من "الشامل" ... انتهى.
وأظن أن "الشامل" المشار إليه هو الشامل للشيخ أبي نصر بن الصباغ[1] الشافعي، [1] هو الإمام أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن الصباغ، توفى سنة 477هـ "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي 5/ 122- 134"، وكتابه "الشامل" في فروع الشافعية مخطوط في دار الكتب المصرية برقم "139-141 فقه شافعي" ومعهد المخطوطات برقم 185-194 فقه شافعي".
نام کتاب : شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام نویسنده : التقي الفاسي جلد : 1 صفحه : 63