نام کتاب : شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام نویسنده : التقي الفاسي جلد : 1 صفحه : 55
وقد أشار الإمام المازري إلى الرد بذلك على قائل المقالة المشار إليها، وأيضا فلا يلزم من قوله: "إذا لقيتموهم غدا أن تحصدوهم حصدا" أن يكون ذلك وقع قبل الفتح بيوم، لإمكان أن يكون ذلك وقع في آخر الليلة التي وقع الفتح فيها صبيحتها، وأيضا فما ادعاه قائل هذه المقالة من حصول صلح في يوم فتح مكة قبل حصول القتال في هذا اليوم لا يقوم عليه دليل، والله أعلم.
ونشير إلى ضبط بعض الألفاظ في حديث أبي هريرة وهي: المجنبة، والبياذقة، فأما المجنبة: فبميم مضمومة وجيم مفتوحة ونون مكسورة. وأما البياذقة: فبباء موحدة ثم ياء مثناة تحتية وألف وذال معجمة وقاف، ووقع في بعض الطرق: الساقة بدل البياذقة، وقال بعض الرواة: الشارفة بشين معجمة وألف وراء مهملة وفاء، وفسره بالذين يشرفون على مكة، قال القاضي عياض: وليس هذا بشيء لأنهم أخذوا في بطن الوادي.
والساقة: بسين مهملة بعدها ألف وقاف- وهم الذين يكونون آخر العسكر على ما قاله القاضي، والبياذقة هم الحسر، كما في رواية مسلم، عن شيبان، عن سليمان بن المغيرة؛ لأن المعنى فيهما واحد، لأنهم الرجال الذين لا دروع لهم، والبياذقة فارسي معرب -على ما قيل- وهم أصحاب ركاب الملك ومن يتصرف في أموره، سموا بذلك لخفتهم وسرعة حركتهم على ما قيل، والحسر: بحاء مهملة مضمومة وسين مشددة مهملة.
ومن الدلائل على أن فتح مكة عنوة، ما رويناه عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت: ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره بثوب، فسلمت عليه، فقال: "من هذه؟ " قلت: أم هانئ بنت أبي طالب، قال: "مرحبا بأم هانئ" فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب، فلما انصرف قلت: يا رسول الله زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلا أجرته: فلان ابن هبيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ"، قالت أم هانيء: وذلك ضحى. أخرج هذا الحديث بهذا اللفظ مسلم في صحيحه[1] وهو مما اتفق على صحته، ووجه الدلالة منه على أن مكة فتحت عنوة، وأنه لو كان فتحها صلحا لم يخف ذلك على علي بن أبي طالب- رضي الله عنه" لمكانه من النبي صلى الله عليه وسلم، ولما أقدم على قتل من دخل من الأمان الذي هو مقتضى الصلح، فإن ذلك يغني عن جيرة أم هانيء، ولما سألت أم هانئ النبي صلى الله عليه وسلم إنفاذ جيرتها. وقد أشار الإمام المازري إلى نحو ما ذكرناه من الاستدلال بهذا الحديث علي أن فتح مكة عنوة. [1] السيرة لابن هشام 2/ 273، 274.
نام کتاب : شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام نویسنده : التقي الفاسي جلد : 1 صفحه : 55