نام کتاب : دولة الإسلام في الأندلس نویسنده : عنان، محمد عبد الله جلد : 1 صفحه : 281
واشتهر عبد الرحمن بحنوه الجم على قرابته وذوي رحمه بدرجة لم يجاره فيها أحد من أهل بيته، فكان يوليهم وافر عطفه، ويجري عليهم الصلات السخية. وفي أيامه وفد من المشرق على الأندلس عدد من قرابته المروانية (بنى أمية)، فاستقبلهم جميعا أجمل استقبال، وأنزلهم أكرم منزل، وأجرى عليهم الأرزاق والإقطاعات الواسعة.
وكان عبد الرحمن يعشق الفلك والتنجيم، ويشغف بدراسته، وكان العلامة الرياضي ابن فرناس، وعبيد الله بن الشمر، وعبد الواحد بن إسحاق الضبي من أساتذته في ذلك الفن، وكان يقربهم ويجري عليهم الأرزاق الواسعة، وله معهم قصص ونوادر كثيرة. وكان أيضا يعشق الغناء والموسيقى، ويجمع حوله عدداً من أكابر الفنانين يجري عليهم الأرزاق الواسعة. ووفد عليه من المشرق أبو الحسن علي بن نافع الملقب بزرياب نابغة الغناء والموسيقى، وكان زرياب من تلاميذ الفنان الشهير إسحاق الموصلي مغني الرشيد، فلما ظهر نبوغه وشعر أبو إسحاق بخطورة منافسته، تحيل في صرفه وإبعاده، فغادر بغداد إلى المغرب، وكتب إلى الحكم أمير الأندلس يستأذنه في الوفود عليه. فأذن له واستدعاه، ولكن زرياب ما كاد يصل إلى المغرب حتى علم بوفاة الحكم، وكاد ينثني عن عزمه في العبور إلى الأندلس، لولا أن جاءه كتاب عبد الرحمن بدعوته والترحيب به فسار إلى قرطبة واستقبله عبد الرحمن بمنتهى الإكرام والحفاوة، وأجرى عليه الأرزاق الواسعة، وجعله من خاصة بطانته. وبهر زرياب أهل الأندلس ببراعته في الغناء والموسيقى، وطار صيته في كل مكان، وأضحى قطب الفن الذي لا يجارى، وأخذ عنه أهل الأندلس فنونه وإبداعه، وتشبهوا به في مظاهر زيه وإناقته وطرائق معيشته. وتوفي في ربيع الأول سنة 238 هـ (أغسطس 852 م) قبيل وفاة عبد الرحمن بأسابيع قلائل. وكان لزرياب وفنه أعظم الأثر في تكوين الفن الأندلسي في ظل الدولة الأموية، ثم في ظل دول الطوائف [1].
وشغف عبد الرحمن أيضاً بجمع الكتب، وأوفد شاعره عباس بن ناصح إلى المشرق للبحث عن الكتب القيمة واستنساخها، فجمع له منها طائفة كبيرة، [1] راجع نفح الطيب ج 2 ص 109 وما بعدها، وابن خلدون في المقدمة ص 257.
نام کتاب : دولة الإسلام في الأندلس نویسنده : عنان، محمد عبد الله جلد : 1 صفحه : 281