نام کتاب : دراسات في تاريخ العرب القديم نویسنده : محمد بيومى مهران جلد : 1 صفحه : 424
طسم وجديس، ومرة أخرى لعبد حبشي دعوه "عتودة"، ومرة ثالثة ليهودي دعوة الفيطون أو القيطوان، وليست واحدة من هذه الروايات لها ظل من حقيقة، حتى نقبلها على مضض، ثم نسدل الستار على هفوة في تاريخ العروبة المجيد، ولكن أن تكون الرواية مجرد زعم كذوب، ردده بعض الأخباريين في كتبهم، ثم جاء من بعدهم من تابعهم في هذا دون أدنى تمحيص أو تحقيق، وكذبه المؤرخون المحققون، وحتى الأعداء منهم، ثم يأتي بعض مؤرخينا في العصر الحديث فينبري للدفاع عن هذه الرواية المختلقة، فشيء آخر تمامًا، وكان الأولى بهم أن يسألوا أنفسهم: أيستحق تصديق مؤرخ -كائنا من كان- أن يسود تاريخنا المجيد من أجله، وأن نسلب الأسلاف العظام كل مقومات الشرف والكرامة، لتكون روايات الأخباريين تاريخًا صحيحًا، اللهم له، وألف لا.
وأما الشق الثاني من الموضوع: فهو غلبة الأوس والخزرج على يهود يثرب
وهنا فيما يبدو لي، فإن العامل الاقتصادي قد لعب دورا مهما فيما آلت إليه الأمور فيما بعد، وتقدم لنا المصادر العربية ما يشير إلى أن العرب في المدينة قد قبلوا الحياة القاسية في أول الأمر؛ لأنهم ما كانوا بقادرين على مجابهة اليهود، فلما اشتد ساعدهم وقويت شوكتهم، سرعان ما تطلعوا إلى وضع اقتصادي أفضل عن طريق مشاركة يهود في تملك الأرض الخصبة أو مغالبتهم عليها، وهناك رواية تذهب إلى أن "عمر بن النعمان البياضي الخزرجي" قال لقومه بني بياضه: "إن أباكم أنزلكم منزل سوء، والله لا يمس رأسي ماء حتى أنزلكم منازل قريظة والنضير على عذب الماء وكريم النخل أو قتل رهنهم1"، وهذا القول، وإن كانت المصادر العربية قد أوردته في ذكر "يوم بعاث" بين الأوس والخرزج، ومن حالف الطرفين من يهود، إلا أنه يعطينا فكرة عن اتجاه العلاقات العامة بين السكان في يثرب، وأن العامل الاقتصادي إنما كان هو الموجة لها[2].
على أن "إسرائيل ولفنسون" إنما يحاول أن يربط هذه الأحداث التي كانت تجري في يثرب، سواء أكانت بين اليهود والعرب، أو بين العرب أنفسهم، من
1 ابن الأثير 1/ 679، الأغاني 15/ 155-159، وفاء الوفا 1/ 153. [2] أحمد إبراهيم الشريف: المرجع السابق ص327-328.
نام کتاب : دراسات في تاريخ العرب القديم نویسنده : محمد بيومى مهران جلد : 1 صفحه : 424