نام کتاب : دراسات في تاريخ العرب القديم نویسنده : محمد بيومى مهران جلد : 1 صفحه : 144
العرب البائدة
مدخل
... العرب البائدة:
لعل من الأفضل هنا أن نشير -بادئ ذي بدء- إلى أننا لا نعني بالعرب البائدة والعرب الباقية، أن أقوامًا قد انقرضوا فلم يبق منهم أحد، وأن أقوامًا لم يكونوا ثم نشئوا من جديد، وإنما ما نعنيه أن قومًا قد يقل عددهم بالكوارث أو بالذوبان في آخرين، لسبب أو لآخر، ومن ثم يتوقف تاريخهم وتبطل حضارتهم، مع أن بقاياهم لا تزال موجودة، ولكنها بدون قيمة حضارية، والتاريخ في حقيقته إنما هو تطور الحضارة[1]، وعلى أية حال، فتلك تسمية ابتدعها الكتاب العرب، ذلك لأنه من المعروف أن شيئًا لن يبيد ما دام قد ترك من الآثار ما يدل عليه، وهي دون شك مصدرنا الأساسي للتعرف على الحضارات السابقة[2]، وربما كان المقصود بلفظة "بائد" عدم وجود أحد من العرب ينتسب إلى هذه القبيلة أو تلك عند كتابة المؤرخين الإسلاميين لتاريخ ما بعد ظهور الإسلام.
ومن ثم فليس صحيحًا ما ذهب إليه بعض المستشرقين من أن ما يسمى بالعرب البائدة، ليس من التاريخ الحقيقي في شيء، وإنما هو جزء من الميثولوجيا العربية أو التاريخ الأسطوري، الذي يسبق عادة التاريخ الحقيقي لكل أمة، ومن ثم فإنهم إذا ما عالجوا تاريخ بعض القبائل العربية التي تسمى "بالبائدة" فإنما يعالجونه على هذا الأساس[3]، وإن كانت غالبية المؤرخين الأوربيين الآن قد عدلت عن هذا الاتجاه، بعد أن ثبت لهم أن بعضًا من هذه القبائل البائدة، قد تحدث عنها المؤرخون القدامى من الأغارقة والرومان، وبعد أن أثبتت الأحافير إلى حد ما صحة بعض ما ورد عن هذه القبائل البائدة في المصادر العربية.
أما العرب الباقية، فلعنا نعني بهم تلك الجماعات التي كانت -ولا تزال- تعيش في هذه المنطقة، وسوف تظل تعيش إن شاء الله، إلى أن يغير الله الأرض غير الأرض، وأن حضارتها مستمرة يتوارثها جيل بعد جيل، وأن كل جيل يضيف إليها، ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ومن ثم فإن مهمتنا أن نقوم بدراسة تلك الحضارات متتبعين دورها في كل طور من أطوار التاريخ، وأما أهم القبائل البائدة التي سنتناولها هنا بالدراسة الموجزة فهي عاد وثمود ومدين وطسم وجديس وأميم وعبيل وجرهم والعماليق وحضورا. [1] عمر فروخ: تاريخ الجاهلية ص49. [2] عبد الرحمن الأنصاري: المرجع السابق ص86. [3] محمد مبروك نافع: المرجع السابق ص30-31.
نام کتاب : دراسات في تاريخ العرب القديم نویسنده : محمد بيومى مهران جلد : 1 صفحه : 144