فقال: «بثمنها يا أبا بكر» ، فقال: بثمنها - بأبي وأمي - إن شئت. قالت: فهيّأنا لهم سُفْرة، ثم قطعت نِطاقها فربطتها ببعضه. فخرجا فمكثا في الغار في جبل ثور. فلما انتهيا إليه دخل أبو بكر الغار قبله، فلم يترك فيه جُحْراً إلا أدخل فيه أصبعه مخافة أن يكون فيه همَّة. وخرجت قريش حين فقدوهما في بُغائهما، وجعلوا في النبي صلى الله عليه وسلم مائة ناقة، وخرجوا يطوفون في جبال مكة حتى انتهَوا إلى الجبل الذي هما فيه. فقال أبو بكر - لرجل مواجه الغار -: يا رسول الله، إنَّه ليرانا، فقال: «كلا إنَّ ملائكة تسترنا بأجنحتها» . فجلس ذلك الرجل فبال مواجه الغار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو كان يرانا ما فعل هذا» . فمكثا ثلاث ليالٍ، يُرَوِّحُ عليهما عامر بن فُهَيرة مولى أبي بكر غنماً لأبي بكر، ويُدلج من عندهما، فيصبح مع الرعاة في مراعيها، ويُرَوِّحُ معهم ويبطىء في المشي، حتى إذا أظلم لليل إنصرف بغنمه إليهما؛ فتظن الرعاة أنه معهم. وعبد الله بن أبي بكر يظلّ بمكة يتطلَّب الأخبار، ثم يأتيهما إذا أظلم الليل فيخبرهما، ثم يُدلج من عندهما فيصبح بمكة.
خروجه عليه السلام من الغار للمدينة
ثم خرجا من الغار فأخذا على الساحل، فجعل أبو بكر يسير أمامه، فإذا خشي أن يُؤتى من خلفه سار خلفه، فلم يزل كذلك مسيره. وكان أبو بكر رجلاً معروفاً في الناس، فإذا لقيه لاقٍ فيقول لأبي بكر: من هذا معك؟ فيقول: هادٍ يهديني - يريد الهدى في الدِّين - ويحسب الآخر دليلاً، حتى إذا كان بأبيات قُدَيد - وكان على طريقِهِما - جاء إِنسان إلى بني مُدْلج فقال: قد رأيت راكبين