قال لعمِّه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: «يا عم، إنَّ الله عزّ وجلّ ناصر دينه بقوم يهون عليهم رَغْمُ قريش عزاً في ذات الله تعالى فامضِ بي إلى عُكاظ، فأرني منازل أحياء العرب حتى أدعوهم إلى الله عزّ وجلّ، لأأن يمنعوني ويؤووني حتى أُبلِّغ عن الله عزّ وجلّ ما أرسلني به» ، قال: فقال العباس: يا ابن أخي، إمضِ إلى عُكاظ فأنا ماضٍ معك حتى أدلَّك على منازل الأحياء. فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بثَقيف، ثم استقرى القبائل في سنّته. فلما كان العام المقبل - وذلك حين أمر الله تعالى أن يعلن الدعاء - لقي الستة نفرٍ الخزرجيين والأوسيين: أسعد بن زُرارة، وأبو الهيثم بن التَّيِّهان، وعبد الله بن رواحة، وسعد بن الربيع، والنعمان بن حارثة، وعُبادة بن الصامت. فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم في أيام مِنًى عنه جَمرة العقَبَة ليلاً، فجلس إليهم فدعاهم إلى الله عزّ وجلّ، وإلى عبادته، والموازرة على دينه الذي بعث به أنبياءه ورسله، فسألوه أنْ يَعرِض عليهم ما أُوحي إليه، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة إبراهيم: {وَإِذْ قَالَ إِبْراهِيمُ رَبّ اجْعَلْ هَاذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الاْصْنَامَ} (إبراهيم: 35) . - إلى آخر السورة، فرقَّ القوم وأخبتوا حين سمعوا وأجابوه.
فمرَّ العباس بن عبد المطلب وهو يكلِّمهم ويكلِّمونه، فعرف صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ابن أخي، من هؤلاء الذين عندك؟ قال: يا عمّ، سكان يثرب: الأوس والخزرج قد دعوتهم ما دعوت إليه مَنْ قبلَهم من الأحياء فأجابوني وصدقوني، وذكروا أنَّهم يخرجونني إلى بلادهم. فنزل العباس بن عبد المطلب وعقل راحلته ثم قال لهم: يا معشر الأوس والخزرج، هذا ابن أخي - وهو أحبُّ الناس إِليّ - فإن كنتم صدَّقتموه وآمنتم به وأردتم إِخراجه معكم فإني أريد أن آخذ عليكم موثقاً تطمئنُ به نفسي ولا تخذلوه ولا تغرُّوه فإنَّ جيرانكم اليهودُ، واليهودُ له عدوٌ، ولا آمن مكرهم عليه. فقال أسعد بن زرارة - وشقَّ عليه قول