أبو الحَيْسم أنس بن رافع مكة - ومعه فتيةٌ من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن مُعاذ يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج - سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم، فأتاهم فجلس إليهم فقال لهم: «هل لكم إلى خير مما جئتم له؟» فقالوا: ما ذاك؟ قال: «أنا رسول الله بعثني الله إلى العباد أدعوهم إلى الله أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، ونزَّل عليَّ الكتاب» . ثم ذكر الإِسلام، وتلا عليهم القرآن. فقال إياس بن معاذ - وكان غلاماً حَدَثاً -: أيْ قوم، هذا - والله - خير مما جئتم له. فأخذ أبو الحيسم أنس بن رافع حفنة من البطحاء وضرب بها وجه إياس بن معاذ، وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا، فصمت إياس وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرفوا إلى المدينة، فكانت وقعة «بُعاث» بين الأوس والخزرج، ثم لم يبث إياس بن معاذ أنْ هَلَك. قال محمود بن لبيد: فأخبرني مَنْ حضره من قومي عند موته: أنَّهم لم يزالوا يسمعونه يهلِّل الله، ويكبِّره، ويسبِّحه، حتى مات، فما يشكُّون أنْ قد مات مسلماً، لقد كان استشعر الإِسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع؛ كذا في كنز العمال. وأخرجه أيضاً أحمد والطبراني، ورجاله ثقات، كما قال الهيثمي. وأسنده أيضاً ابن إسحاق في المغازي عن محمود بن لبيد بنحوه، رواه جماعة عن ابن إسحاق وهو من صحيح حديثه كما قال في