نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 7 صفحه : 226
استشرى من بعد ذلك داء بني مرين وأعضل خطبهم، وكثر الثّوار بالمغرب، وامتنع عامة الرعايا عن المغرم، وفسدت السابلة. واعتصم الأمراء والعمّال من السلطان فمن دونه بالأمصار والمدن، وغلبوا أولئك على الضاحية. وتقلّص ظل الحكّام عن البدو جملة. وافتقد بنو مرين الحامية دون الوطن والدفاع، فمدوا إلى البلاد يدا. وسار بهم أميرهم أبو سعيد عثمان بن عبد الحق في نواحي المغرب يتقرى مسالكه وشعوبه، ويضع المغارم على أهله حتى دخل أكثرهم في أمره، فبايعه من الظواعن الشاوية والقبائل الآهلة: هوّارة وزكارة، ثم تسول ومكناسة، ثم بطوية وقشتالة، ثم سدراتة وبهلولة ومديونة. ففرض عليهم الخراج وألزمهم المغارم، وفرّق فيهم العمّال. ثم فرض على أمصار المغرب مثل فاس وتازى ومكناسة وقصر كتامة ضريبة معلومة يؤدونها إليه على رأس كل حول، على أن يكفّ الغارة عنهم ويصلح سابلتهم. ثم غزا ظواعن زناتة سنة عشرين وستمائة، وأثخن فيهم حتى أذعنوا، وقبض أيديهم عمّا امتدت إليه من الفساد والنهب. وعطف بعدها على رياح أهل أزغار والهبط وأثأر به بأبيه، فأثخن فيهم وأبادهم. ولم يزل دأبه ذلك إلى أن هلك باغتيال علجة سنة سبع وثلاثين وستمائة.
وقام بأمر بني مرين من بعده أخوه محمد بن عبد الحق، فتقبّل سنن أخيه في تدويخ بلاد المغرب وأخذ الضريبة من أمصاره وجباية المغارم والوضائع من ظواعنه وبدوه وسائر رعاياه. وبعث الرشيد أبا محمد بن وانودين لحربهم. وعقد له على مكناسة، فدخلها وأجحف بأهلها في المغارم. ثم نزل بنو مرين بمتيجة وغيرها من ضواحيها، فنادى في عساكره وخرج إليهم، فدارت بينهم حرب شديدة هلك فيها خلق من الجانبين. وبارز محمد بن إدريس بن عبد الحق قائدا من الروم، واختلفا ضربتين هلك العلج بإحداهما، وانجرح محمد في وجهه بالأخرى. واندمل جرحه، فصار أثر في وجهه لقب من أجله أبا ضربة. ثم شدّ بنو مرين على الموحّدين، فانكشفوا ورجع ابن وانودين إلى مكناسة مفلولا. وبقي بنو عبد المؤمن أثناء ذلك في مرض من الأيام، وتثاقل عن الحماية. ثم أومضت دولتهم آخرا إيماض الخمود. وذلك أنه لما هلك الرشيد بن المأمون سنة أربعين وستمائة، وولي أخوه علي وتلقّب بالسعيد، وبايعه أهل المغرب، انصرفت عزائمه إلى غزو بني مرين، وقطع أطماعهم عما سمت إليه من تملّك الوطن، فأغزى عسكر الموحّدين لقتالهم، ومعهم قبائل العرب والمصامدة
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 7 صفحه : 226