نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 7 صفحه : 148
القهقرى، ثم ولّوا الأدبار منهزمين لا يلوي أحد منهم على أحد، واعترضهم مهوى الخندق فتطارحوا فيه وتهافتوا على ردمه، فكان الهالك يومئذ بالردم أكثر من الهالك بالقتل. وهلك من بني توجين يومئذ كبير الحشم وعامل جبل وانشريس، ومحمد بن سلامة بن علي أمير بني يدللتن وصاحب قلعة تاوغزوت [1] وما إليها من عملهم، وهما ما هما في زناتة إلى أشباه لهما وأمثال استلحموا في هذه الوقعة فحط [2] هذا اليوم جناح الدولة وحطّم منها، واستمرّت منازلة السلطان أبي الحسن إياها إلى آخر رمضان من سنة سبع وثلاثين وسبعمائة فاقتحمها يوم السابع والعشرين منه غلابا. ولجأ السلطان أبو تاشفين إلى باب قصره في لمة من أصحابه، ومعه ولداه عثمان ومسعود ووزيره موسى بن عليّ وعبد الحق بن عثمان بن محمد بن عبد الحق من أعياص بني مرين، وهو الّذي لحق بهم من تونس كما ذكرناه، وسيأتي ذكره وخبره. ومعه يومئذ ابنا أخيه أبو زيّان وأبو ثابت فمانعوا دون القصر مستميتين إلى أن استلحموا ورفعت رءوسهم على عصيّ الرماح، فطيف بها، وغصت سكك البلد من خارجها وداخلها بالعساكر، وكظّت أبوابها بالزحام، حتى لقد كبّ الناس على أذقانهم وتواقعوا فوطئوا بالحوافر وتراكمت أشلاؤهم ما بين البابين حتى ضاق المذهب ما بين السقف ومسلك الباب وانطلقت الأيدي على المنازل نهبا واكتساحا، وخلص السلطان إلى المسجد الجامع، واستدعى رؤساء الفتيا والشورى أبا زيد عبد الرحمن وأبا موسى عيسى ابني الإمام، قدمهما من أعماله لمكان معتقده في أهل العلم، فحضروه ورفعوا إليه أمر الناس وما نالهم من معرة العسكر ووعظوه فأناب ونادى مناديه برفع الأيدي عن ذلك، فسكن الاضطراب وأقصر العيث. وانتظم السلطان أبو الحسن أمصار المغرب الأوسط وعمله إلى سائر أعماله. وتاخم الموحدين بثغوره وطمس رسم الملك لآل زيّان ومعالمه، واستتبع زناتة عصبا تحت لوائه من بني عبد الواد وتوجين ومغراوة وأقطعهم ببلاد المغرب سهاما أدالهم بها من تراثهم من أعمال تلمسان، فانقرض ملك آل يغمراسن برهة من الدهر إلى أن أعاده منهم أعياص سموا إليه بعد حين عند نكبة السلطان أبي الحسن بالقيروان كما نذكره، فأومض بارقه، وهبّت ريحه، والله يؤتي ملكه من يشاء. [1] كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة ثانية: تاوعزدوت. [2] وفي نسخة ثانية: في هذه الوقائع. فقصّ هذا اليوم.
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 7 صفحه : 148