responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون    جلد : 1  صفحه : 158
فلا يكون مدلّا ببأسه ولهذا نجد المتوحّشين من العرب [1] أهل البدو أشدّ بأسا ممّن تأخذه الأحكام ونجد أيضا الّذين يعانون الأحكام وملكتها من لدن مرباهم في التّأديب والتّعليم في الصّنائع والعلوم والدّيانات ينقص ذلك من بأسهم كثيرا ولا يكادون يدفعون عن أنفسهم عادية بوجه من الوجوه وهذا شأن طلبة العلم المنتحلين للقراءة والأخذ عن المشايخ والأئمّة الممارسين للتّعليم والتّأديب في مجالس الوقار والهيبة فيهم هذه الأحوال وذهابها بالمنعة والبأس. ولا تستنكر ذلك بما وقع في الصّحابة من أخذهم بأحكام الدّين والشّريعة ولم ينقص ذلك من بأسهم بل كانوا أشدّ النّاس بأسا لأنّ الشّارع صلوات الله عليه لمّا أخذ المسلمون عنه دينهم كان وازعهم فيه من أنفسهم لما تلي عليهم من التّرغيب والتّرهيب ولم يكن بتعليم صناعيّ ولا تأديب تعليميّ إنّما هي أحكام الدّين وآدابه المتلقّاة نقلا يأخذون أنفسهم بها بما رسخ فيهم من عقائد الإيمان والتّصديق فلم تزل سورة بأسهم مستحكمة كما كانت ولم تخدشها أظفار التّأديب والحكم قال عمر رضي الله عنه «من لم يؤدّ به الشّرع لا أدّبه الله» حرصا على أن يكون الوازع لكلّ أحد من نفسه ويقينا بأنّ الشّارع أعلم بمصالح العباد ولمّا تناقص الدّين في النّاس وأخذوا بالأحكام الوازعة ثمّ صار الشّرع علما وصناعة يؤخذ بالتّعليم والتّأديب ورجع النّاس إلى الحضارة وخلق الانقياد إلى الأحكام نقصت بذلك سورة البأس فيهم فقد تبيّن أنّ الأحكام السّلطانيّة والتّعليميّة مفسدة للبأس لأنّ الوازع فيها ذاتيّ ولهذا كانت هذه الأحكام السّلطانيّة والتّعليميّة ممّا تؤثّر في أهل الحواضر في ضعف نفوسهم وخضد [2] الشّوكة منهم بمعاناتهم في وليدهم وكهولهم والبدو بمعزل من هذه المنزلة لبعدهم عن أحكام السّلطان والتّعليم والآداب ولهذا قال محمّد بن أبي زيد في كتابه في أحكام المعلّمين والمتعلّمين «أنّه لا ينبغي للمؤدّب أن يضرب أحدا من الصّبيان في التّعليم فوق ثلاثة أسواط» نقله عن شريح القاضي

[1] المتوحشين من العرب: بمعنى البدو أو سكان البادية.
[2] انكسار الشوكة.
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون    جلد : 1  صفحه : 158
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست