وَفِيه برد فَقلع الشّجر وَجرى مِنْهُ سيل فِي وَادي شنان الَّذِي فِيهِ الْعين فَكَانَت من الْجَبَل القبلي إِلَى الْجَبَل الشمالي وغطى شجر الْجَوْز وَأخذ صَخْرَة يعجز عَن قَلبهَا خَمْسُونَ رجلا وَمضى بهَا فَلم يعرف لَهَا ذَلِك الْوَقْت مَوضِع، وَالله أعلم.
وفيهَا: توفّي الشَّيْخ ابو مَنْصُور عبد الْملك بن يُوسُف من أَعْيَان الزهاد.
ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا وَقعت فتْنَة بَين المغاربة والمشارقة بِدِمَشْق فَضربت دَار جوَار الْجَامِع بالنَّار فاتصلت النَّار بالجامع وعظمت فدثرت محاسنه وزالت اعماله النفيسة.
قلت: وفيهَا أَخذ ملك الرّوم حصن منبج وشحنة رجَالًا وعدّة، ثمَّ وقف على عزاز سَاعَة ثمَّ رَحل عَنْهَا , وسلط الله عَلَيْهِ وعَلى من مَعَه الغلاء والقلة وَمَات مِنْهُم خلق كثير فَرجع حافلاً.
وفيهَا: جمع قطبان أنطاكيا وقسها الْمَعْرُوف بالبخت جموعاً وطلع إِلَى حصن أشعوبا من قرى المعرة بِعَمَلِهِ عَملهَا لَهُم قوم يعْرفُونَ ببني ربيع من أهل جوزف ففتحوه وَقتلُوا وأسروا رِجَاله وواليه بنادراً التركي، فَبلغ الْخَبَر الْأَمِير عز الدولة مَحْمُود بن نَاصِر بن صَالح وَهُوَ يسير فِي ميدان حلب، فَسَار إِلَيْهِ وَلم يدْخل الْبَلَد وَمَعَهُ نَحْو خمسين ألفا من التّرْك وَالْعرب وَأَخذه من النَّصَارَى وَقتل مِنْهُم أَلفَيْنِ وَسَبْعمائة نفس، وَهَذَا الْحصن كَانَ قد عمره حُسَيْن بن كَامِل بن حُسَيْن بن سُلَيْمَان بن الدوح الْعمريّ المرثدي الْكلابِي وَمَعَهُ جمَاعَة من المعرة وَكفر طَالب وضياعهما فِي سنة سِتّ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وأكمل عِمَارَته فِي مُدَّة يسيرَة فتعجب النَّاس لسرعة عِمَارَته. ثمَّ فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة اقْترض عز الدولة مَحْمُود من الرّوم أَرْبَعَة عشر ألف دِينَار وَرهن وَلَده نصرا عَلَيْهَا وعَلى هدم الْحصن الْمَذْكُور، فَجمع النَّاس من المعرة وَكفر طَالب على هَدمه، وَللَّه قَول من قَالَ:
(وهدّوا بِأَيْدِيهِم حصنهمْ ... وأعينهم حزنا تَدْمَع)
(عجبت لسرعة بُنْيَانه ... وَلَكِن تخريبه أسْرع)
وَالله اعْلَم.
ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا غلت مصر حَتَّى أكل بعض النَّاس بَعْضًا ونزح من الْقدر، وَاحْتَاجَ الْمُسْتَنْصر فباغ ثَمَانِينَ ألف قِطْعَة بلور كبار وخمسا وَسبعين ألف قِطْعَة من الديباج وَأحد عشر ألف قزاغند وَعشْرين ألف سيف محلى وَوصل من ذَلِك مَعَ التُّجَّار إِلَى بَغْدَاد.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا قطع مَحْمُود بن نصر بن صَالح بن مرداس بحلب خطْبَة الْمُسْتَنْصر وخطب للقائم العباسي.