ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وثلثمائة: فِيهَا وصل الدمستق إِلَى جِهَة ميارفارقين فنهب واستهان بِالْمُسْلِمين، فَجهز أَبُو تغلب بن نَاصِر الدولة أَخَاهُ هبة اللَّهِ فِي جَيش فَكسر الدمستق وَأسر وَمرض وعالجه أَبُو تغلب فَلم يفد وَمَات مَحْبُوسًا.
وفيهَا: استوزر بختيار مُحَمَّد بن بقيه، فَعجب النَّاس لكَونه وضيعا من أوانا وَأَبوهُ زراع.
وَفِيه: حصلت الوحشة بن بختيار وَبَين أَصْحَابه من الديلم والأتراك.
ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وثلثمائة: فِيهَا تقوى سبكتكين التركي بِبَغْدَاد وَنهب دَار بختيار وَكَانَ غَائِبا فِي الأهواز، وَرَأى سبكتكين الْمُطِيع عَاجِزا من الْمَرَض وَقد ثقل لِسَانه وَكَانَ يستر ذَلِك حَتَّى انْكَشَفَ وَأَشَارَ عَلَيْهِ بخلع نَفسه وولايته ابْنه الطائع فَأجَاب، وخلع الْمُطِيع نَفسه فِي نصف ذِي الْقعدَة، وخلافته تسع وَعِشْرُونَ سنة وَخمْس أشهر غير أَيَّام.
(أَخْبَار الطائع لله)
وبويع الطائع لله وَهُوَ رَابِع عشرهم أَبُو بكر عبد الْكَرِيم بن الْمفضل الْمُطِيع لله بن جَعْفَر المقتدر بن المعتضد أَحْمد.
وفيهَا: جرت حروب بَين الْمعز وَبَين القرامطة، ثمَّ انْهَزَمت القرامطة وَقتل مِنْهُم خلق كثير وَأرْسل فِي أَثَرهم عشرَة آلَاف فسارت القرامطة إِلَى الحساء والقطيف، ثمَّ أرسل الْمعز الْقَائِد ظَالِم بن مرهوب الْعقيلِيّ إِلَى دمشق فَعظم وَكَثُرت جموعه، ثمَّ وَقع بَينه وَبَين أهل دمشق فتن دَامَت إِلَى سنة أَربع وَسِتِّينَ وثلثمائة وأحرق بعض دمشق.
وفيهَا: انحدر سبكتكين بالطائع والمطيع مخلوعا بالأتراك إِلَى وَاسِط فَمَاتَ الْمُطِيع بدير العاقول وَمَات سبكتكين أَيْضا فحملا إِلَى بَغْدَاد، وَقدم الأتراك عَلَيْهِم أفتكين أكبرهم، وقاربوا وَاسِط وَبهَا بختيار فَقَاتلهُمْ نَحْو خمسين يَوْمًا وَالظفر للأتراك، وَأرْسل بختيار إِلَى ابْن عَمه عضد الدولة بِفَارِس رسائل متتابعه بالإسراع إِلَيْهِ وَكتب إِلَيْهِ الْبَيْت الْمَشْهُور:
(فَإِن كنت مَأْكُولا فَكُن خير آكل ... وَإِلَّا فأدركني وَلما أمزق)
فَسَار عضد الدولة إِلَيْهِ، وَخرجت السّنة وَالْحَال كَذَلِك.
وفيهَا: انْتهى تَارِيخ ثَابت بن قُرَّة وابتداؤه من خلَافَة المقتدر سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ.
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَسِتِّينَ وثلثمائة: فِيهَا سَار عضد الدولة بعساكر فَارس لما ذَكرْنَاهُ وقارب وَاسِط فَرجع أفتكين والأتراك إِلَى بَغْدَاد، وَسَار عضد الدولة من الْجَانِب الشَّرْقِي وَأمر بختيار أَن يسير من الْجَانِب الغربي وَخرجت الأتراك من بَغْدَاد وقاتلوا عضد الدولة فَهَزَمَهُمْ وَقتل مِنْهُم كثيرا فِي رَابِع عشر جُمَادَى مِنْهَا وَدخل بَغْدَاد، وَكَانُوا قد أخذُوا الْخَلِيفَة مَعَهم إِلَى وَاسِط فَرده عضد الدولة إِلَى بَغْدَاد، فوصل الْخَلِيفَة فِي الْمسَاء ثامن رَجَب مِنْهَا.