نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 7 صفحه : 410
وأهم ما يعوز العرب في الجاهلية الشعور بفكرة "الأمة"، التي تسمو فوق القوميات القبلية وفوق الإقليميات الضيقة التي هي أيضًا صفحة من صفحات الأنانية، والشعور بلزوم الحد من الفردية الجامحة التي لا تعترف بحريات الآخرين، وبضرورة إطاعة المجتمع في سبيل المصلحة العامة، وإخضاع إرادة الحاكمين لمصلحة حكم الجماعة، والحد من أنانيتهم المفرطة ومن البت في أمور الرعية، وكأن الرعية سواد من ماشية، عليها إطاعة سوط الحاكم وأوامره، دون أن يكون لها حق في إبداء الرأي. فإن غلطة الاستبداد بالرأي تؤدي إلى أسوأ العواقب، غير أن الحرية المفرطة أو الأنانية الشديدة بتعبير أصح، التي كادت تجعل المجتمع فوضى -ضبطتها من ناحية أخرى قوة كبحت جماحها، وحدت من حريتها، وأجبرتها على التقيد بقيود، وعدم التحرك إلا بحد وحدود. هي سنة وجوب إطاعة أوامر المجتمع، والاستجابة لنداء الجماعة, ولأحكام رؤساء الأحياء والبطون والأفخاذ، والصيحات التي تصرخها القبيلة أو فروعها لتنادي بنداء "العصبية", وإلا عد الخارج على نداء الجماعة والمخالف لقرار رؤساء الأسرة أو الحي أو القبيلة خارجًا على القانون وعلى العصبية, فاستحق بذلك واجب خلعه من عصبية القبيلة له, وطرده من قومه. وهو أشد عقاب يفرض على مخالف ما, عقاب الخلع.
الخلع:
ويبقى الفرد متمتعًا بعطف قبيلته عليه وبحمايتها له, ما دام قائمًا بواجباته المترتبة عليه، شاعرًا بعظم التبعة. فإذا أجرم، أو عمل عملًا ينافي شرفه أو شرف قبيلته، واستمر في غيه لا يسمع نصائح أهله وعشيرته، كاسرًا أعراف آله وقبيلته -فقد عصبية أهله وقبيلته له، وهام على وجهه طريدًا يلتمس مجاورة رجل من عشيرة أو قبيلة أخرى قريبة من موطنه أو بعيدة عنه. وتكون هذه الفترة من حياة الإنسان شرَّ فترة في حياته، ولا يهدأ للطريد بال إلا إذا وجد له حليفًا أو جارًا يتعهد له بحمايته وببذل "العصبية" له وبالدفاع عنه.
ويقال للرجل الذي تغضب عليه قبيلته وتحرمه عطفها وعصبيتها له: "الخليع", ويقال ذلك لمن يخلعه أهله أيضًا. وقد يقال له: "الرجل اللعين"، و"اللعين", واللعين هو المطرود؛ ولذلك يقال له: "الطريد", إلى غيرها من مصطلحات.
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 7 صفحه : 410