نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 7 صفحه : 290
مستقرة دائمة ثابتة، أما إذا كانت الأرض شحيحة بخيلة، لا تسعف من يعيش فوقها بماء، فإن الإنسان يتحاشاها بالطبع ويبتعد عنها خلال أيام الغيث. وحواضر البوادي هي المواضع التي يجب أن نوجه إليها أنظارنا للبحث فيها عما قد يكون الدهر قد خبأه فيها من كنوز وآثار. وهي منتشرة في مواضع عديدة من جزيرة العرب، ولا سيما عند الأودية وقرب الحسي والجعافر والعيون.
و"عرب الضاحية" أو "عرب الضواحي"، هم العرب النازلون بظواهر الريف والحضارة وبظواهر البادية، و"الضاحية" الظاهرة الخارجة من الشيء التي لا حائل دونها، و"الضامنة" ما أطاف بالشيء مثل سور المدينة، أي: ما كان داخل شيء, وضواحي الروم: ما ظهر من بلادهم وبرز[1]. ويراد بـ"عرب الضاحية"، عرب مشارف العراق وعرب مشارف الشام؛ لأنهم أقاموا بضواحي العراق وبلاد الشام، وعلى تخوم البادية[2]. وقد تأثر أكثر الأعراب الساكنين بأطراف الحضارة وبأخلاق الحضر، ودخلوا مثلهم في النصرانية، بحكم تأثرهم بهم وبعوامل التبشير والسياسة، إلا أن نصرانيتهم كانت نصرانية أعرابية مكيفة بالعقيدة الوثنية الموروثة من السنين الماضية التي كونتها طبيعة البداوة في عقلية أهل الجاهلية.
وسوف نجد في بحثنا عن اللغة، أن لغة "أهل المشارف" أو "أهل الضواحي" و"عرب الأرياف"، قد تأثرت بلهجات "إرم" العراق وبلاد الشام, فظهرت في لغتهم رطانة، وبرزت فيها ألفاظ آرمية وأعجمية، وانحازت في النطق بعض الانحياز عن عربيات أهل البوادي، وكتبوا بقلم نبطي وبلهجات عربية، لا تقرها عربية القرآن الكريم، التي صارت لسان الإسلام. ولهذا حذر علماء اللغة من الاستشهاد بشعر شعراء القرى والريف وأهل المشارف والضواحي؛ لاعوجاج لسانهم بالنسبة إلى لسان الإسلام.
فأعراب الضواحي، أو عرب الضاحية، هم أعراب أيضًا, لكنهم لم يعزلوا أنفسهم عن العالم الخارجي، وإنما عاشوا على مقربة منه ومن مواطن الحضر، فصار حالهم أحسن من حال الأعراب الأقحاح، وارتفع مستواهم العقلي عن أولئك [1] اللسان "14/ 474 وما بعدها"، "ضحا". [2] تأريخ الطبري "3/ 353"، "ذكر وقعة الولجة".
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 7 صفحه : 290