نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 7 صفحه : 285
في عقلية من نسميهم "المثقفين" الدارسين من مدنيين وعسكريين؛ ذلك لأن عقول هؤلاء المثقفين وإن حُشيت بالمعلومات وبالعلوم، لم تتمكن مع ذلك من التخلص من إرث البداوة المستمدة من طبيعة الجو وأثرها في الناس، في الماضي السحيق وفي الحاضر، ومن طبيعة المجتمع الذي خلقته هذه الطبيعة وجبلت الناس عليه. ومن أهم صفاته: العنجهية، والتغني بذكريات الماضي, والابتعاد عن الواقع وعن مشكلات الحياة العلمية، واللجوء إلى العواطف والخيال، والإسراف في تمجيد النفس إلى حد أدى إلى ازدراء كل ما هو غير عربي من إنسان ومن نتاج إنسان, أضف إليها "العصبية" بأنواعها: العصبية للأهل والعصبية للعشيرة ثم القبيلة فالحلف في حالة الأعرابية، والعصبية للأهل والبيوت والشعاب ثم للقرية أو المدينة والقبيلة التي يرجع أهل القرى نسبهم إليها في الأخير، وذلك بالنسبة إلى أهل المدن، ثم الفردية المفرطة التي جعلت من الصعب على الفرد الانقياد لغيره والخضوع لأحد إلا إذا وجد نفسه أمام مصلحة خاصة أو أمام قوة؛ ذلك لأنه يرى نفسه أشرف الناس، وأن من المذلة خضوعه لحكم أحد، ولا سيما إذا كان من يحكمه من أناس هم دون أهله، ومن عشيرة دون عشيرته, ثم ليس هو من أهل الجاه ولا من أهل المال، فيكف يسلم أمره إليه؟!
الرعاة:
وندخل في الحضر الرعاة: رعاة الغنم والمعز والبقر؛ ذلك لأنهم اضطروا بحكم طبيعة حياة حيواناتهم إلى شيء من الاستقرار، وإلى عدم التنقل مسافات بعيدة طويلة في البوادي على نحو ما يفعل الأعراب، ثم إنهم يعيشون على الآبار وبرك الماء وعلى مقربة من الحضر، وفي وضع يجعلهم شبه مستقرين في أكثر أيام حياتهم. وهم "أعراب الضواحي"، وعنصر مهم من عناصر تكون القرى والمستوطنات، إذ إن قربهم من الحضر واعتماد حياتهم عليهم، يحملانهم على التأثر بهم، وعلى التقرب منهم ومن مستوطناتهم، فتصير "الخيمة" بيتًا مستقرًّا، ثم تصير "كوخًا" من طين أو من أغصان شجر, ثم تتحول بيتًا من بيوت قرية أو حي من أحياء مدينة، لما في المدينة من وسائل معاشية تستهوي الناس، لا تتوافر في الضواحي البعيدة، فتحول الرعاة قطان مدن.
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 7 صفحه : 285