responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي    جلد : 7  صفحه : 165
الذي بعث الحيوية في جسم القبائل، فجعلها تشعر أن في استطاعتها أن تفعل شيئًا لو وحدت نفسها، وعلمت عملًا إيجابيًّا منتظمًا، بعد دراسة وتفكير, وباعدت نفسها عن الهياج والحماس والكلام الكثير، الذي يذهب بعد تكلمه مع الهواء.
ولم تكن مشكلات الروم أقل خطورة أو عددًا من مشكلات الساسانيين. لقد تمكنت النصرانية، بعد عنت واضطهاد ومقاومة, أن تكون ديانة رسمية للحكومة والشعب. وكان المأمول أن تتوحد بذلك صفوف الأمة، غير أن التصدع الذي أصاب هذه الديانة لم يحقق لها ذلك الأمل، فتدخلت المذهبية في السياسة؛ في المذهبيات. وتولدت من هذا التدخل مقاومة رسمية من الحكومة للمذاهب المعارضة، واضطهاد لكل من يعارض مذهب القيصر, وظهرت كنيسة شرقية وكنيسة غربية، وتجزأ النصارى الشرقيون إلى شِيَعٍ وفِرَقٍ عُدَّ بعضها خارجًا على تعاليم الحق والإيمان -هي في نظر "الأرثوذكسية" مذاهب إلحادية باطلة- فعُوملت كما عاملت وثنية روما النصرانية حين ظهورها، فحوربت بغير هوادة واضطر الكثير من المخالفين إلى التكتم أو الهرب إلى مواضع ليس للبيزنطيين عليها سلطان.
والحروب المتوالية التي شنها الفرس على البيزنطيين, والبيزنطيون على الفرس، وانقسام الإمبراطورية إلى حكومتين: حكومة روما وحكومة القسطنطينية، ثم مهاجمة الملوك والأقوام الساكنة في أوروبا لهاتين الحكومتين من الشمال والغرب، كل هذه أنتجت مشكلات خطيرة للعالم الغربي عامة وللروم خاصة. وقد كان إزعاج الروم وإقلاقهم، مما يفيد بالطبع منافسيهم الفرس ويسُرُّهم، فكانوا يشجعون الثائرين ويتحالفون معهم لأن في ذلك قوة لهم، كما كان الروم أنفسهم يشجعون الأحزاب المعارضة للفرس ويحرضونها على الثورة على الساسانيين والتمرد عليهم، وعلى مهاجمة حدودهم نكاية بأعدائهم وللانتقام منهم حتى صارت الحروب بين الإمبراطوريتين تقليدًا موروثًا، لا يتركها أحد الطرفين إلا اضطرارًا، ولا تعقد هدنة بينهما إلا بدفع جزية تكون مقبولة لدى الطرف الغالب تغنيه عن المكاسب التي يتأملها من وراء الحرب، يدفعها المغلوب صاغرًا بسبب الأحوال الحرجة التي هو فيها، آملًا تحسن الموقف للانتقام من الخصم. فتأريخ الساسانيين والروم, هو تأريخ هدن وحروب عادت إلى بلاد الطرفين بأفدح الأضرار, وما الذي يكسبه الإنسان من الحروب غير الضرر والدمار؟.

نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي    جلد : 7  صفحه : 165
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست