نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 7 صفحه : 118
وبلد مثل مكة فيها تجار وتجارة ورقيق وغنى وفقر وراحة وأصنام وعبادة وحجاج يأتون للتقرب إلى الأصنام، لا بد أن يضع أهله لهم وللقادمين إليه أنظمة وقوانين لتنظيم الحياة، وتأمين الأمن وحفظ الحقوق وحماية من يفد إليه من الأذى؛ لدوام مجيء الحاج إليه على الأقل.
فالكعبة، وهي بيت الأصنام، أرض حرام لا يجوز البغي فيها، ولا المعاصي واقتراف الآثام. والمدينة, وهي في جوار البيت ذات حرمة وقدسية، ودار الندوة دار مشورة وحكم وزعامة. وسكان البلد الحرام هم في حمى البيت وفي جواره، ولا بد من إنصافهم وإحقاق حقهم. ولإنصافهم ودفع الأذى عن فقيرهم، عقد حلف الفضول، وتعهد سادات مكة بالدفاع عمن يستجير بهم، وبتأديب من يتجاسر منهم على العرف والسنة؛ وبذلك جعلوا مكة بلدًا آمنًا مستقرًّا في محيط تتعارك فيه الأمواج.
ولسياسة أهل مكة القائمة على المسالمة وحل الخلاف بالتشاور والتفاوض، رميت قريش البواطن، وهم غالبية أهل المدينة, بعدم القدرة على القتال وبالاتكال على غيرهم في الدفاع عن بلدهم، وباعتمادهم على الأحابيش وعلى قريش الظواهر وعلى القبائل المحالفة لهم في الدفاع عن مكة. ولم تكن مكة وحدها بدعًا في هذا الأمر، إذ كان أهل يثرب وأهل الطائف وسائر أهل القرى والمدر مثل أهل مكة، غير ميالين إلى الغزو والقتال، ولهم حبال وأحلاف مع القبائل الساكنة بجوارهم، لمنع تعدياتهم عليهم، ولمنع من يطمع فيهم من تنفيذ ما يريد.
الرقيق:
وقد كانت بمكة جالية كبيرة من أصل إفريقي عرفت بـ"الأحابيش"، وهم سود البشرة، اشتراهم أثرياء مكة للعمل لهم في مختلف الأعمال ولخدمتهم. وقد كان هذا الرقيق ضرورة لازمة لاقتصاد مكة ولنظامها الاجتماعي في ذلك الزمن, فقد كان يقوم مقام الآلة في خدمة التاجر وصاحب العمل، فكان مصدرًا من مصادر الثروة، وآلة مسخرة تخدم سيدها بأكل بطنها، كما كان سلاحًا يستخدم
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 7 صفحه : 118