responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي    جلد : 2  صفحه : 202
الأعراب منهم بكثير.
وللسيطرة على حركات الأعراب ولضبطهم، أقامت حكومات العراق وبلاد الشام لها "مسالح"، أي: مواضع حصينة تعسكر فيها قوات نظامية في البادية يترأسها ضباط، وضعت فيها كل ما يحتاج إليه من سلاح ومؤن وذخائر وقوات كافية للقيام بمثل هذه المهمات الخطيرة في البوادي. وقد حفرت لها آبارًا للارتواء منها، ونصب ضباط هذه الحصون أنفسهم حكامًا يتحكمون في البوادي التي يشرفون عليها؛ يفضون مشكلات القبائل، ويحافظون على الأمن، ويراقبون تحركات الأعراب وتنقلاتهم؛ ليكونوا على حذر منهم ومن غزواتهم المفاجئة للحدود, وقد بقيت هذه "المسالح" إلى أيام فتوح المسلمين للعراق ولبلاد الشام. وكان من واجبات هذه الحصون توزيع الأرزاق على الأعراب أيام الشدة والضيق، والتقرب إلى سادات القبائل، وعقد صداقات معهم؛ ليستفاد منهم في كبح جماح أتباعهم، ويحولوا دون تحرشهم بهم، ولئلا يقوموا بمهاجمة الحدود.
وكان أقصى مكان سمح للعرب بالوصول إليه هو الشاطئ الغربي لنهر الفرات، وحدود الحضارة لبلاد الشام وأعالي البادية، أي: قصر البادية الأعلى. أما ما وراء ذلك، فكان من الصعب على العرب الوصول إليه؛ لتشدد الحكومة في منعهم من الدنو منه، وتصلب الحضر تجاههم, ولم يدخله من العرب إلا أفراد أو جماعات تنكرت للبادية ولسننها، وكفرت بسنة الغزو، ورأت في الزراعة وفي احتراف الحرف شرفًا لا يقل عن شرف رعي الإبل والتنقل بها من مكان إلى مكان. أما الذين وقفوا عند هذه الحدود، وهم السواد الغالب، فقد بقوا على سنن البادية، مخلصين لها مؤمنين بحق الغزو والقوة، إلا من اشتم رائحة الحضارة وتنفس قليلا من ريح الحضارة، وجاور الفرات ومشارف الشام، حيث تلوح معالم الحضر، فقد طور نفسه بعض التطور، واستقر في الأرض بعض الشيء وصار وسطًا بين الحضارة والبداوة، لا هو حضري كل الحضرية، ولا هو أعرابي تام الأعرابية، وإنما وسط بين بين، ومنزلة بين المنزلتين.
ولم يكن من الممكن للأعرابي أن يدرك قيمة الزرع والغرس وحياة الاستقرار؛ لأن الماء وهو جوهر الزرع غير متوافر لديه، ولأن الأمن غير موجود عنده، فهو متى زرع واستقر وكون مجتمعا حضريا صغيرا، هاجمه من هم على شاكلته من أهل البادية وسلبوه كل ما لديه. ومجتمعه مجتمع صغير لا يستطيع الاعتماد

نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي    جلد : 2  صفحه : 202
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست