نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 13 صفحه : 276
من التزود دومًا بالماء والغذاء، ولا سيما بالنسبة إلى السفن الصغيرة، فأخذت ترسو في مراسي كثيرة لتموين نفسها ولإراحة أصحابها، من عناء البحر، ولم تتخلص السفن من تعدد الرسو في المواني إلا بعد تحسن صناعة بناء السفن، وظهور السفن البخارية، فانتفت حاجتها إليها، وقد قضى هذا التحسن على أكثر المواني، فماتت وذهبت مع العصور التي ولدت فيها.
وقد تتجه السفن من ميناء "مخا" إلى السواحل الإفريقية مخترقة مضيق المندب، وقد تتجه إلى "عدن"، ثم تواصل سيرها نحو السواحل الإفريقية، بعد أن تتمون بما تحتاج إليه من ماء وزاد، أو تتجه إلى ميناء "أكيلا" "Acilla"، الواقع على مقربة من "رأس الخيمة" "Massandum"، للإقلاع منه إلى الهند[1]. وهو أقرب طريق يوصل العرب الجنوبيين وعرب سواحل عمان إلى تلك البلاد.
ولما تحسنت هندسة بناء السفن صار في إمكانها قطع مسافات أبعد من دون حاجة إلى الرسو في موانئ عديدة، وصارت السفن القادمة من مصر ترسو في ميناء "عدن" رأسًا، وبعد أن يستريح أصحابها يتجهون إلى سواحل أفريقية أبعد مما كانوا يصلون إليها في السابق، أو يتجهون نحو الهند. وبذلك قصر الوقت وقلت كلفة الأسفار، وصار في وسع اليونان والرومان دخول الأسواق الأصلية رأسًا، يأخذون منها ما يريدون ويبيعون فيها ما عندهم دون حاجة إلى وسيط. وكانت السفن اليونانية والرومانية تتحمل من صعاب البحر، وتقاوم الأعاصير والظروف القاسية الشديدة، وتتسع لاستيعاب أعداد كبيرة من الرجال، وتحمل حملًا كبيرًا بالقياس إلى السفن العربية. وهذا ما قلل بالطبع من أجور النقل، وخفض من أثمان البضائع في الأسواق، وزاد في عدد المستهلكين.
ولكن السفن اليونانية والرومانية جوبهت مع ذلك بلصوص البحر الذين كانوا يتعقبون السفن، ويغيرون عليها عند تقربها من السواحل. كان هؤلاء اللصوص قد ابتنوا سفنًا لهم، فإذا رأوا سفنًا يونانية أو رومانية أو غيرها وقد وقعت في قبضة الأعاصير، أو اصطدمت بالصخور البحرية أو كانت على مقربة منهم وفي مناطق يمكن وصولهم إليها، أغاروا عليها وأخذوا منها كل ما تقع أيديهم عليه. [1] Pliny, Vi, 32, Glaser, Skizze, Ii, S. 186.
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 13 صفحه : 276