نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 13 صفحه : 228
وفيها عمل وجهد على نحو ما نجد في الزراعة أو في الصناعة, ولكنها نظرة واجتهاد إلى الحياة، وظروف طبيعية، جعلت العرب تجارًا في الغالب، فشرفوا التجارة على غيرها من الحرف، وقدموها عليها في المنازل والدرجات. وقد بقيت على هذه المنزلة والدرجة في الإسلام كذلك. وأشير إلى شرفها وسمو منزلتها في كتب الحديث، مما يدل على ما كان للتجارة من منزلة في نفوس الناس.
والتاجر الذي يبيع ويشتري. ومن المجاز التاجر الحاذق بالأمر، لما تحتاجه التجارة من ذكاء وحذق في مساومات البيع والشراء. وذكر علماء اللغة أن العرب تسمي بائع الخمر تاجرًا، وأن أصل التاجر عندهم الخمار، يخصونه من بين التجار[1]. والتجارة صناعة التاجر، وهو الذي يبيع ويشتري للربح[2]. و"التاجر" هو "مكر" في لغة المسند، و"تمكرو" في الآشورية[3].
كان الملوك تجارًا يبيعون ويشترون، وكان رؤساء المعبد تجارًا يتاجرون باسم معابدهم، ويكسبون من الضرائب التي تقدم للمعابد كسبًا فاحشًا، وكان أصحاب الأملاك ورؤساء العشائر تجارًا كذلك، يتاجرون بما يقدمه إليهم من هو دونهم في المنزلة من حاصل وغلة، ويتاجرون بما يستوردونه من الخارج، من إفريقية أو من الهند، من حاصلات ثمينة غالية في نظر تجار ذلك اليوم، لبيعه في الداخل أو نقله إلى بلاد الشأم أو العراق لتصريفه في أسواق تلك الجهات.
وفي اللهجات العربية ألفاظ ومصطلحات كثيرة لها صلة بالتجارة وبالتعامل، وهي من اللغات العالمية الغنية في هذه المادة، ويلاحظ بصورة عامة أن اللهجات السامية غنية كلها تقريبًا بالألفاظ المستعملة في البيع والشراء والتعامل والتجارة، وفيها مترادفات كثيرة في هذا الباب، وكثرة هذه الألفاظ دليل على حذق الساميين عمومًا بالتجارة وافتتانهم بها، وعلى وجود عقلية تجارية لديهم. والتأريخ يؤيد ذلك، فترى الساميين عمومًا، وهم أنشط من غيرهم، يتنقلون من مكان إلى مكان طمعًا في ربح، وركضًا وراء تجارة، وهم من أحذق الناس يومئذ في التحكم في الأسعار وفي التعامل وفي البيع والشراء. [1] تاج العروس "3/ 66"، "تجر". [2] إرشاد الساري "4/ 13". [3] Grhomann, S. 124.
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 13 صفحه : 228