نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 12 صفحه : 200
الاختلاف في الفهم، يؤدي إلى ظهور المذاهب والشيع، وإلى تناحر هذه المذاهب، وادعاء كل واحد منها إنه وحده على الحق، وإن ما دونه على الباطل والهرطقة والكفر.
لقد فتح "بولس الرسول" وأتباع المسيح الآخرون ميدانا واسعا من الجدل في موضوع المسيح: هل المسيح إنسان، أو هو رب، أو هو من خلق الرب؟ وهل هو والرب سواء، أو هو منفصل عن الرب؟ هذه الأسئلة وأمثالها مما يتصل بطبيعة المسيح شغلت رجال الكنيسة، وكتلتهم كتلا: كل كتلة ترى أن رأيها في الطبيعة هو الرأي الصواب، وأنه هو الدين الحق القويم، وأن ما دونه ضلال وباطل. فظهرت المذاهب: شرقية وغربية، وانقسمت الكنيسة على نفسها، فظهرت من الكنيسة الواحدة كنائس. ولا تزال تنشق، ويزيد عددها وتظهر أسماء جديدة لمذاهب لم تكن معروفة في النصرانية القديمة.
لقد كان الناصريون الأولون، وهي التسمية القديمة التي عرف بها النصارى، في فوضى فكرية. فلم تكن تعاليم المسيح مفهومة عندهم ولا مهضومة، وكانت تفاسير تلاميذه غير منسقة ولا مركزة تركيزا يكفي لتوجيه الناصريين وجهة معينة واحدة. ثم إن تعقب اليهود والرومان للنصارى وتنكيلهم بهم، وخوف الناصري على حياته وعلى ماله إذا تظاهر بدينه: كل هذه كان لها أثر خطير في المجتمع النصراني الأول. ولولا جلد بعض التلاميذ وتفانيهم في الدعوة، وتركيزهم لتعاليمها وتبويبها وصقلها، لما كان للنصرانية ذكر باق حتى الآن.
وليس في استطاعة أحد الزعم بأن هذه النصرانية التي تركزت وتثبتت على هذه الصورة التي نشهدها، هي النصرانية التي جاء بها المسيح وكان عليها الناصريون، أي أقدم أتباع عيسى. فالنصرانية هي سلسلة تطورات وأفكار وآراء وضعها البارزون من الآباء، ثم إنها كأكثر الأديان تأثرت بمؤثرات عديدة لم يكن من الممكن على الداخلين فيها التخلص منها. فدخلت فيها وصارت جزءًا منها، مع أن بعضها مناهض ومناقض لمبادئ هذا الدين.
وتولد عن هذا الجدل ظهور "الآريوسية" أتباع "آريوس" و"السبيلية" SabiIIians وأتباع "الثالوث" Trinitarians ومذاهب أخرى نبعث من تلك البلبة الفكرية التي أظهرها الاختلاف في طبيعة المسيح. ونظرا إلى ما أحدثته هذه الآراء
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 12 صفحه : 200