نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 11 صفحه : 160
ليخيل إلينا أن هذا طبع. والواقع أننا نجد الشعراء في الجاهلية والإسلام وأكثر الكتاب والخطباء على هذا المنوال، مما يحمل المرء على القول بوجود التشاؤم في طبع العرب.
وموضوع "القدر" من المواضيع التي حيرت المسلمين أيضًا. فانقسموا في ذلك إلى مذاهب. وقد مر الرسول بناس كانوا يتذاكرون في القدر، فقال: إنكم قد أخذتم في شعبين بعيدي الغور. أي يبعد أن تدركوا حقيقة علمه، كالماء الغائر الذي لا يقدر عليه[1].
وقد ذكر علماء التفسير أن قريشًا خاصموا الرسول في القدر، وأن رجلًا جاء إلى الرسول فقال: يا رسول الله ففيم العمل؟ أفي شيء تستأنفه، أو في شيء قد فرغ منه؟ فقال رسول الله: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، سنيسره لليسرى، وسنيسره للعسرى[2]. ويظهر من ذلك أن قريشًا أو جمعًا منهم، لم يكونوا يؤمنون بالقدر، بل كانوا يؤمنون بأن فعل الإنسان منه، وأن لا لأحد من سلطان في تصرفه وفعله. [1] تاج العروس "3/ 457"، "غور". [2] تفسير الطبري "27/ 64 وما بعدها". القدرية:
وذكر أن الشاعر "الأعشى" كان قدريًّا، يرى أن للإنسان دخلًا في فعله، وأن له سلطانًا على نفسه، حيث يقول:
اِستَأثَرَ اللَهُ بِالوَفاءِ وَبِالـ ... ـعَدلِ وَوَلّى المَلامَةَ الرَجُلا1
فالإنسان مسئول عن فعله، ملام على ما يرتكبه من قبيح. فالله عادل، لا يجازي الإنسان إلا على فعله، ولو كان قد قدر كل شيء له، وحتمه عليه كان ظالمًا. وقد أخذ الأعشى رأيه هذا "من قبل العباديين نصارى الحيرة، كان يأتيهم يشتري منهم الخمر فلقنوه ذلك".
فنحن أمام عقيدتين. عقيدة تقول: إن الله خالق كل شيء، وإن فعل الإنسان من تقدير الله وأمره، فهو يفعل بفعله وبحسب ما قدره له، ورأي يقول إن الإنسان خالق فعله، فهو حر مختار، ولهذا فهو وحده مسئول عن عمله، من خير أو شر. والرأي الأول أظهر عندهم وأقوى من الرأي الثاني. [1] الأغاني "9/ 112"، "21/ 126".
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 11 صفحه : 160