نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 11 صفحه : 139
الجسد مات وأخذت هي تطير مزفرفة في الأعالي. وبهذا الرأي أخذ بعض الجاهليين تفسير النفس. تصوروا "النفس طائرًا ينبسط في الجسم، فإذا مات الإنسان أو قتل لم يزل يطيف به مستوشحًا يصدح على قبره". "وكانوا يزعمون أن هذا الطائر يكون صغيرًا ثم يكبر حتى يكون كضرب من البوم وهو أبدًا مستوحش ويوجد في الديار المعطلة ومصارع القتلى والقبور، وأنها -أي النفس- لم تزل عند ولد الميت ومخلفه لتعلم ما يكون من بعده فتخبره"[1] وزعموا أنه إذا قتل قتيل فلم يدرك به الثأر خرج من رأسه طائر كالبومة. وهي الهامة، والذكر الصدى، فيصيح على قبره اسقوني اسقوني، فإن قتل قاتله كف عن صياحه. وكان بعضهم يقول إن عظام الموتى تصير هامة وتطير. وذكر أن الصدى حشو الرأس، ويقال لها الهامة أيضًا، أو الدماغ نفسه[2].
وكان من زعم بعض الجاهليين، أن الإنسان إذا مات أو قتل اجتمع دم الدماغ أو أجزاء منه، فانتصب طيرًا هامة، ترجع إلى رأس القبر كل مائة سنة[3]. ويرجع هذا الرأي إلى عقيدة قديمة تعتبر الدم مقرًّا للنفس، بل تجعل الدم في معنى النفس، والنفس في معنى الدم، وذلك للصلة الوثيقة الكائنة بين الدم والنفس، ولأن الإنسان إذا قتل سال دمه. فتخرج روحه بخروج الدم من الجسم، أي خروج النفس من الدم، بعد أن كانت كامنة فيه. ويمثل هذا الرأي رأي العبرانيين أيضًا في النفس وفي صلتها بالدم، ورأي غيرهم من الشعوب[4].
وكان اعتقادهم أن مقر الدم ومركز تجمعه في الدماغ. ومن هنا قيل بنات الهام: مخ الدماغ[5]، فلا غرابة إذا تصوروا أن الروح تنتصب فيه، فتكون هامة تخرج من الرأس، وتطير. ويكون خروجها من الأنف أو الفم؛ لأن النفس يكون منهما. فتتجمع الأرواح حول القبور، ويكون في وسعها مراقبة أهل الميت وأصدقائه ونقل أخبارهم إليه. ولهذا السبب، تصوروا المقابر مجتمع. [1] بلوغ الأرب "2/ 311". [2] تاج العروس "10/ 207"، "صدى"، "9/ 112"، اللسان "16/ 108".
المعاني الكبير "2/ 951، 1008 وما بعدها". [3] بلوغ الأرب "2/ 199، 311، الروض الأنف "2/ 109". [4] Hastings, p. 101. [5] اللسان "12/ 625"، "هوم".
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 11 صفحه : 139