responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي    جلد : 1  صفحه : 283
"يده على الكل ويد الكل عليه"[1]. وهو سيبقى كذلك ما دام بدويًّا ترتبط حياته بالصحراء، ينتهز الفرص كلما وجد وَهَنًا في الحكومات وقوة في نفسه على أخذ ما يجده عند الآخرين. وهو إن هدأ وسكن، فلأنه يجد نفسه ضعيفًا تجاه سلطة الحكومة، ليس في استطاعته مقاومتها لضعف سلاحه، فإذا شعر بقوته لم يخشَ عندئذ أحدًا.
وقد تأصلت الفردية في أنفس الأعراب وفي أنفس أشباه الحضر وفي أكثر الحضر، حتى صارت أنانية مفرطة، عاقت المجتمع العربي في الجاهلية وفي الإسلام عن التقدم وعن التوثق والاتحاد. وفي الأدبين الجاهلي والإسلامي أمثلة عديدة سارت بين الناس تمثل هذه النظرية الضيقة إلى الحياة. ورد في الحديث عن أبي هريرة أنه قال: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى الصلاة، وقمنا معه، فقال أعرابي في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا"[2]. فقدّم نفسه على الرسول، مع أنه مسلم يحمله دينه وأدبه أدب الإسلام على تقديم الرسول عليه، ثم إنه لم يخصص أحدًا بالرحمة غير الرسول وغير نفسه مدفوعا بهذه الأنانية القبيحة. وكثيرًا ما تسمع الناس يتمثلون بقول أبي فراس: إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر".
يتمثل به الحضر تعبيرًا عن فلسفة ووجهة نظر قديمة إلى هذه الحياة، مبعثها الوضع السّيّئ العام القلق الذي عمَّ المجتمع ومازال يعمه، والذي جعل الفرد يشعر بعدم وجود مَنْ يحميه ويساعده، فتحول غضبه إلى عقيدة مؤذية مضرة ويا للأسف.
والبداوة عالم خاص قائم بذاته، تكوّنت طباعها وخصائصها من الظروف التي نشأت فيها، لها مقاييسها وموازينها الخاصة، وهي مقاييس وموازين تختلف عن مقايس الحضر وموازينهم، الحضر البعيدين عن البادية وعن أحوال البداوة ولذلك اختلفت أفهام الجماعتين وتباعدت عقلياتهما، ومن هنا يظهر خطأ مَنْ يحكم على البداوة بمقاييس أهل الحضارة ويفسر ما يقع من الأعراب تفسيره لما يقع من أهل المدر من أعمال، ومن هنا أيضا نجد أن البداوة لا تستطيع فهم منطق الحضر

[1] التكوين، الإصحاح 16، الآية 12.
[2] سنن أبي داود "1/ 89".
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي    جلد : 1  صفحه : 283
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست