نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 1 صفحه : 254
إن هذه الملاحظات تدفعني إلى التريّث في البتّ في وطن الجنس السامي، حتى تتهيّأ دراسات أخرى علمية دقيقة عنه، لأن الأخذ بالقياس، وبمجرد الملاحظات والمشاهدات، لا يمكن أن يكون دليلًا علميًا مقنعًا في تثبيت الوطن الأول الذي ظهر فيه هذا النسل الذي نسميه بالنسل السامي. وإن كنت أجد أن جزيرة العرب قد أمدّت الأقسام العليا منها، وهي بلاد العراق والبادية وبلاد الشام يفيض من الناس، بصورة دائمة مستمرة، وذلك لأسباب عديدة عسكرية واقتصادية، وأنها لم تأخذ من تلك الأرضين مثل هذا الفيض.
إن نظرية موطن الجنس السامي، هي في نظري جزء من مسألة كبرى معقدة، هي مسألة موطن الجنس البشري بكامله، هل هو موطن واحد في الأصل، أو جملة مواطن، وإذا كان ذلك الموطن موطنًا واحدًا، فأين كان؟ وكيف ظهرت هذه الأجناس البشرية بألونها المتعددة وبسِحَنها المختلفة؟ إن هذه بحوث، على البشرية أن تضني نفسها في البحث عنها! وكل بحوثنا الآن حدس وتخمين، حتى يترقّى العلم البشري إلى درجات فدرجات.
اللغة السامية الأم:
تدفعنا هذه النظريات التي قالها العلماء عن السامية وعن القرابة اللغوية التي نراها في مجموعة اللغات السامية، وعن اشتراكها في كثير من أسس النحو والصرف، إلى التفكير في أن جميع هذه اللغات تفرّعت من لغة واحدة هي أم اللغات السامية، "URSEMITICSCH"، كما يعبر عنها بالألمانية. ويدفعنا ذلك إلى البحث عن أقدم النصوص المدونة في اللغات السامية، وعن الخصائص الأساسية المشتركة بين كل هذه اللغات، للوقوف على اللغة السامية الأولى التي انقرضت، وبقيت آثارها في هذه الجذور التي غذت اللغات السامية القديمة منها والحديثة بالخصائص السامية، وعن أقرب الفروع التي انفصلت من الأم.
لقد بحث المستشرقون في هذا الموضوع ولا يزالون يبحثون فيه؛ فمنهم من وجد أن العبرانية أقدم اللغات السامية، وأقربها عهدًا بالأم، ومنهم من رأى أن العربية على حداثة عهدها جديرة بالدراسة والعناية، لأنها تحمل جرثومة السامية، ومنهم من رأى القِدَم للآشورية أو البابلية، وهناك من رأى غير
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 1 صفحه : 254