نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 1 صفحه : 252
نجد واليمن وفي كل أنحاء جزيرة العرب الأخرى في الموارد العربية الإسلامية، كانت مأهولة مزروعة في صدر الإسلام، خَرِبَت وهُجِرَت وصارت أثرًا، وقد ذهب عن أكثرها حتى الاسم. فلما كتب عنها الجغرافيون لم يجدوا من عمرانها شيئًا. بل نجد في كتب الجغرافيين أسماء مواضع نزلوا بها وأقاموا فيها، وكانت معمورة مسكونة. أما اليوم فلم يبقَ من أكثرها شيئًا، فهل نُرجع فعل هلاكها إلى الجفاف وتغير الجو وإلى اندثار الواحات والبحيرات والأنهار؟ إن الجغرافيين المذكورين لم يشيروا إلى وجود واحات وبحيرات وأنهار حتى نقول بفعل الجو فيها، بل هنالك عوامل أخرى عديدة اضطرت الناس إلى ترك مواطنهم تلك التي ذكرتها، وفي مقدمتها الفتن والغزو وتغير الطريق وعدم قيام حكومة قوية تحمي الأمن.
وأما موضوع الاستشهاد بالهجرات، فإنه موضوع غامض يحتاج إلى دراسة علمية عميقة، فالذين يرون أن جزيرة العرب كانت مهد الجنس السامي، وضعوا نظريتهم هذه قياسًا على روايات أهل الأخبار من أمر هجرة العرب إلى تلك الأرضين، ومن الفتح الإسلامي الذي جرف قبائل عدنانية وقحطانية فساقها إلى بلاد العراق وبلاد الشام وإلى ما وراء هذه الأرضين، ومن هجرة قبائل من جزيرة العرب إلى تلك البلاد حتى الزمن القريب، ومن أخبار عن هجرة الفينيقيين من البحرين إلى بلاد الشام. ولكننا نجد من ناحية أخرى أن التوراة تذكر أن الإسماعيليين هم سكان أرضين تقع في الأقسام الشمالية الغربية من جزيرة العرب وفي شرق فلسطين في البادية وفي طور سيناء، والأخباريون يذكرون أن العدنانيين هم من سلالة إسماعيل أي أنهم إسماعيليون، ويذكرون أنهم جاءوا من الشمال فسكنوا الحجاز، وأن جدّهم رفع قواعد البيت الحرام. ونرى أن اليهود زحفوا من فلسطين نحو الحجاز، وأن أقوامًا من سكان العراق زحفوا نحو الجنوب فسكنوها في العروض. وأن قبائل عراقية كالقبائل العبرانية هاجرت من العراق إلى بلاد الشام ثم إلى مصر ثم عادت إلى بلاد الشام، فمثل هذه الهجرات تلفت النظر وتجعل الباحث يبحث عن أمثلة أخرى من هذا القبيل، لعلّه يجد غيرها أيضا. وهي تجعله يشعر أن الهجرات لم تكن دائما في اتجاه واحد، بل كانت حركة دائمة تتجه مختلف الاتجاهات، لعوامل سياسية واقتصادية وحربية ساحتها من شمال بلدية الشام إلى سواحل البحر العربي في الجنوب، ومن سواحل البحر
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 1 صفحه : 252