نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 1 صفحه : 117
وأما موضوع إهمال الآثار وعدم توجيه عناية الحكومات نحوها؛ لرعايتها وللمحافظة عليها من التعرض للسقوط والتلف والأضرار ونحو ذلك؛ فإنه موضوع لم يدرك الناس أهميته إلّا أخيرًا، ولم تشعر الحكومات بأنه واجب مهم من واجباتها إلّا حديثًا، ولذلك لا نستطيع أن نوجّه اللّوم إلى القدامى لإهمالهم الآثار ولعدم اعتنائهم بالمحافظة عليها.
وكان من آثار هذا الجهل بأهمية الآثار أن أُزيلت معالم أبنية وقصور، وحطمت تماثيل وكتابات، لغرض استعمالها في البناء، وقد كان على مقربة من "سدوس"، أبنية قديمة يظن أنها من آثار حمير وأبنية التبابعة، وأن من جملتها شاخص كالمنارة، وعليها كتابات كثيرة منحوتة في الحجر ومنقوشة في جدرانها، فهدمها أهل سدوس؛ لاختلاف بعض السياح من الإفرنج إليها ملاحظة التدخل معهم[1]. ومثل ذلك حدث في اليمن وفي مواضع أخرى من أمكنة الآثار.
وقد هدمت قرى ومدن في الجاهلية وفي الإسلام من أجل استعمال أنقاضها في بناء أبنية جديدة. ذكر "الهمداني" حصن "ذي مرمر"، وهو من المواضع الجاهلية المهمة، وكذلك "شبام سخيم" "يسخم"، وبقيا معروفين زمنًا طويلًا بعده، ثم جاء أحد الأتراك واسمه "حسن باشا" فهدم حصن "ذي مرمر" لينشئ في أسفله مدينة جديدة، أخذ معظم مواد بنائها من "شبام سخيم"[2].
وذكر أن حكومة اليمن قامت بعد سنة "1945م" ببناء ثكنة لجنودها في المنطقة الشرقية من اليمن في "مأرب" على نمط الثكنة التي بناها الأتراك في صنعاء، فهدموا أبنية جاهلية كانت لا تزال ظاهرة قائمة، واستعملوا الحجارة الضخمة التي كانت مترامية على سطح الأرض، وأزالوا بعض الجدر والأسوار وحيطان البيوت عند بناء تلك الثكنة، فطمسوا بذلك بعض معالم تأريخ اليمن القديم[3]، وأساءوا بجهلهم هذا إلى قيم الآثار إساءة لا تقدر في نظر عشاق التأريخ والباحثين في تأريخ العرب قبل الإسلام.
ويضاف إلى ما تقدم عامل آخر، هَدَمَ الآثار وقضى عليها بالجملة، [1] الألوسي، تأريخ نجد، تحقيق الأستاذ محمد بهجت الأثري، المطبعة السلفية، القاهرة 1347 "ص28". [2] Beirtage, S. 18. [3] Beitrage, S. 28.
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 1 صفحه : 117