إن جسمي كما علمتَ بأرضٍ ... وفؤادي ومالكيه بأرضِ
قدر البَيْنُ بيننا فافترقنا ... وطوى البين عن جفوني غَمْضِي1
قد قضى الله بالفِرَاق علينا ... فعسى باجتماعنا سوف يقضِي!
وله شعر كثير أبرع من هذا, أورده المؤرخون في كتبهم. وكانت مدة ولايته منذ استولى على قرطبة دار الملك إلي أن توفي، اثنتين وثلاثين سنة.
1- البين: الفرقة والبعد. الغمض: النوم، يقال: ما اكتحلت عينه غمضًا.
ولاية الأمير هشام بن عبد الرحمن*
ثم ولي بعد عبد الرحمن ابنه هشام، يكنى: أبا الوليد، وسنه حينئذٍ خمس وثلاثون سنة، واتصلت ولايته سبعة أعوام إلى أن مات في صفر سنة 180. وكان حسن السيرة، متحريًا للعدل، يعُودُ المرضى، ويشهد الجنائز، ويتصدق بالصدقات الكثيرة، وربما كان يخرج في الليالي المظلمة الشديدة المطر ومعه صُرَر الدراهم يتحرى بها المساتير وذوي البيوتات من الضعفاء؛ لم يزل هذا مشهورًا من أمره إلى أن مات في التاريخ المذكور. أمه أم ولد اسمها: حوراء.
* ترجمته في بغية الملتمس: 13، الأعلام: 86/8، وفيه: أنه ولد بقرطبة، وبويع له بعد أبيه سنة 172هـ، وبنى عدة مساجد، وتمم بناء جامع قرطبة. وكان أهل الأندلس يشبهونه بعمر بن عبد العزيز بعدله وحسن سيرته. ولاية الحَكَم بن هشام الملقب بالرَّبَضيِّ**
ثم ولي بعده ابنه الحكم وله اثنتان وعشرون سنة، يكنى: أبا العاص، أمه أم ولد اسمها: زُخرف، وكان طاغيًا مسرفًا، وله آثار سوء قبيحة، وهو الذي أوقع بأهل الرَّبَض الوقعة المشهورة، فقتلهم وهدم ديارهم ومساجدهم. وكان الربض محلة متصلة بقصره، فاتهمهم في بعض أمره، ففعل بهم ذلك، فسمي الحكم الربضي لذلك.
وفي أيامه أحدث الفقهاء إنشاد أشعار الزهد والحض على قيام الليل في الصوامع، أعنى: صوامع المساجد، وأمروا أن يخلطوا مع ذلك شيئًا من التعريض به، مثل أن يقولوا: يا أيها المسرف المتمادي في طغيانه، المصر على كِبره، المتهاون بأمر ربه، أفق من سكرتك، وتنبه من غفلتك.. وما نحا هذا النحو؛ فكان هذا من
** ترجمته في بغية الملتمس: 14؛ الأعلام: 268/2، وفيه: أنه كان من أفحل ملوك بني أمية في الأندلس، وأول من جعل للملك فيها أبهة، وأول من جند الأجناد، وجمع الأسلحة والعدد، وارتبط الخيول على بابه، وأنه ولد ونشأ وتوفي بقرطبة.