وصيرهم إلى أمهم الهاوية فكانت أولى بهم؛ ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط1 أعمالهم؛ وأمكن الله من رأس ضَلَالهم المدعو بأبي قَصَبة، فقهره الحزب المنصور وغلبه، وحز الحسام منه قُنَّةً2 ورقبة ...
إنما أوردت هذه الرسالة هاهنا لغرابة شأن من وردت علي منه؛ وذلك أنه كان حين كتب بها إلي لم يحتلم بعد!.
فتح جزرة مُنرقة
ومع اتصال هذا الفتح بهم، اتصل معه فتح جزيرة منرقة؛ كان فيها من أصحاب ابن غانية رجل اسمه الزبير بن نَجَاح؛ دخلوها عليه فقتلوه ووجهوا برأسه إلى مراكش، فهو معلق بها مع رأس أبي قصبة المذكور.
محاربة يحيى بن غانية بإفريقية
ولما كانت سنة 601، تجهز أمير المؤمنين أبو عبد الله في جيوش عظيمة، وقصد بلاد إفريقية؛ وقد كان الميورقي يحيى بن غانية قد استولى عليها، خلا قسطنطينة وبجاية؛ هيأ له ذلك غفلة الموحدين عنه، واشتغال أمير المؤمنين أبي يوسف بغزو الروم بالأندلس على ما قدمناه.
فسار أبو عبد الله حتى نزل بلاد إفريقية؛ فما استعصى عليه بلد من بلادها خلا المهدية، مهدية بني عبيد؛ فإنه أقام عليها أربعة أشهر قبل أن دخلها؛ أوجب ذلك ما قدمنا من شدة منعتها -وكان يحيى بن غانية قد ولى فيها ابن عمه لَحًّا، أبا الحسن علي بن محمد بن غانية -فلما طال عليه الحصار سلم البلد وخرج بنفسه يقصد ابن عمه. ثم بدا له أن يرجع إلى الموحدين، فأرسل إليهم فتلقوه أحسن لقاء، ووصلوه من الصلات النفيسة بما لا قيمة له3، ولا يصل بمثله إلا الخلفاء، وبعد هذا نزع إليهم أخو يحيى بن غانية، سير بن إسحاق بن محمد؛ فأكرموا نزله وأقطعوه الأقطاع الواسعة بعد أن ملئوا يديه أموالًا.
ولم يزل أبو عبد الله أمير المؤمنين مقيمًا بإفريقية يصلح ما أفسده ابن غانية،
1- أحبط أعمالهم: أبطلها.
2- القنة: قنة كل شيء: أعلاه.
3- أي: لا يساويه شيء؛ لنفاسته أو كثرته.