أحسن عدة. وكان فيه من أعيان الموحدين وأشياخهم جملة وافرة. فسار أبو الحسن هذا بجيشه المذكور حتى التقى هو والميورقيون فيما بين بجاية وقسطنطينة، وبالقرب من قسطنطينة؛ فانهزم الموحدون أصحاب أبي الحسن المذكور، ورجع أبو الحسن إلى بجاية على حالة سيئة.
وجهز بعد هذا الجيش جيشًا على مثاله، وأمر عليهم من الموحدين أبا زيد عبد الرحمن بن موسى الوزير؛ فسار بالجيش حتى بلغ قسطنطينة المغرب.
دخول الموحدين جزيرة ميورقة
ثم استعمل أمير المؤمنين أبو عبد الله على إفريقية وأعمالها، السيد الأجل أبا زيد عبد الرحمن بن عبد المؤمن، وخرج هو في سنة 597 إلى تينمل لزيارة قبر أبيه أبي يوسف، وزيارة ضريح آبائه وابن تومرت. ثم رجع إلى مراكش، وأقام إلى أول سنة 609، فتجهز بجيوش ضخمة حتى أتى مدينة فاس ونزل بها، وأشاع أنه يقصد إفريقية -هذا بعد أن بلغه أن الميورقي استولى على مدينة تونس، وقبض على الوالي عليها عبد الرحمن- فأقام بفاس ثلاثة أشهر وأيامًا، وبدا له أن يبعث بعثًا إلى جزيرة ميورقة، ليستأصل شأفة1 بني غانية ويقطع دابرهم2؛ فعمر الأسطول والطرائد فيها الخيل والرجال، واستعمل على الأسطول عمه أبا العلاء إدريس بن يوسف بن عبد المؤمن، وعلى الجيش أبا سعيد عثمان بن أبي حفص من أشياخ الموحدين؛ فقصد الجزيرة هذان الرجلان ففتحاها عنوة، وقتلا عبد الله بن إسحاق بن غانية الأمير عليها؛ وكان الذي قتله رجل من الأكراد يقال له: عمر المقدم؛ وذلك أنه حين نازله القوم خرج على باب من أبواب المدينة سكران، فكبَتْ به فرسه، فضربه هذا المذكور بسيفه حتى مات؛ وقيل: إنه قتله بسيف نفسه.
وكان دخولهما ميورقة وقتلهما أميرها المذكور في شهر ذي الحجة من سنة 599، فانتهبا أمواله، وسبيا حرمه، ودخلا بهم مدينة مراكش على الجمال في هيئة الأسارى. فأما النساء فدخل بهن ليلًا فجعلن في بعض الخانات إلى أن نفذ الأمر بالمن عليهن وإطلاقهن، وتزويج من تحتاج إلى التزويج منهن وتجهيزها بمال. وأما الرجال فلم يزالوا في الحبس إلى أن من عليهم بعد أن ضمنهم أكابرهم واتُّخذوا أجنادًا فهم, كذلك إلى اليوم.
وبلغني أن المتولين لفتحها انتهبوا منها أموالاً عظيمة وذخائر نفيسة.
1- يستأصل شأفتهم: يزيلهم من أصلهم.
2- يقطع دابرهم: يفنيهم عن آخرهم.