ذكر ولاية عبد المؤمن
ثم قام بالأمر من بعده عبد المؤمن بن علي، وبايعه المصامدة، واتفقت على تقديمه الجماعة. وكان الذين سعوا في تقديمه وهيئوا ذلك له ثلاثة، وهم من أهل الجماعة: عمر بن عبد الله الصنهاجي المعروف عندهم بعمر أزناج، وعمر بن ومَزَال -الذي كان اسمه قبل هذا فَصْكة، فسماه ابن تومرت عمر، يعرفونه بعمر إينْتي- وعبد الله بن سليمان، من أهل تينملّ، من قبيلة يقال لها: مَسَكَّالة؛ ووافقهم على ذلك سائر أهل الجماعة, وأهل خمسين، وباقي الموحدين.
وصية ابن تومرت
وذلك أن ابن تومرت قبل موته بأيام يسيرة، استدعى هؤلاء المسمَّيْن بالجماعة، وأهل خمسين؛ وهم -كما ذكرنا- من قبائل مفترقة لا يجمعهم إلا اسم المصامدة؛ فلما حضروا بين يديه قام وكان متكئًا، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على محمد نبيه -صلى الله عليه وسلم-؛ ثم أنشأ يترضى عن الخلفاء الراشدين -رضوان الله عليهم-، ويذكر ما كانوا عليه من الثبات في دينهم، والعزيمة في أمرهم، وأن أحدهم كان لا تأخذه في الله لومة لائم، وذكر من حد عمر -رضي الله عنه- ابنه في الخمر، وتصميمه على الحق، في أشباه لهذه الفصول، ثم قال:
... فانقرضت هذه العصابة -نَضَّر الله وجوهها، وشكر لها سعيها، وجزاها خيرًا عن أمة نبيها-وخبطت1 الناس فتنة تركت الحليم حيران، والعالم متجاهلًا مداهنًا2؛ فلم ينتفع العلماء بعلمهم, بل قصدوا به الملوك، واجتلبوا به الدنيا، وأمالوا وجوه الناس إليهم ... في أشباه لهذا القول، إلى هلم جرًّا.
ثم إن الله -سبحانه وله الحمد- من عليكم أيتها الطائفة بتأييده، وخصكم من بين أهل هذا العصر بحقيقة توحيده، وقيَّض3 لكم من ألفاكم ضُلالاً لا تهتدون،
1- خبط الشيء خبطًا: وَطِئه وطئًا شديدًا، وخبط القوم بسيفه: ضربهم.
2- داهن الرجل مداهنة، ودهانًا: أظهر خلاف ما أضمر، وداهن فلانًا: خدعه وغشه، أو داراه ولاينه.
3- قيض الله له كذا: قدره له وهيأه، وقيض الله فلانًا لفلان: أتاحه له.