على وجه نقابًا1، وأن نعيدكم إلى صحرائكم، ونظهر الجزيرة من رُحَضَائكم ... 2.
في أمثال لهذا القول؛ فأحنق ذلك أمير المسلمين وأخره عن كتابته، وقال لأبي عبد الله أخيه: كنا في شك من بغض أبي مروان للمرابطين، والآن قد صح عندنا. فلما رأى ذلك أبو عبد الله استعفاه فأعفاه، ورجع إلى قرطبة بعدما مات أخوه أبو مروان بمراكش. وأقام هو بقرطبة إلى أن استشهد في داره -رحمه الله- أول الفتنة الكائنة على المرابطين.
1- النقاب: القناع تجعله المرأة على مارن أنفها, تستر به وجهها.
2- الرحضاء: العرق الكثير يغسل الجلد.
اختلال أحوال المرابطين
واختلت حال أمير المسلمين -رحمه الله- بعد الخمسمائة اختلالًا شديدًا، فظهرت في بلاده مَنَاكر3 كثيرة؛ وذلك لاستيلاء أكابر المرابطين على البلاد، ودعواهم الاستبداد؛ وانتهوا في ذلك إلى التصريح؛ فصار كل منهم يصرح بأنه خير من عليًّ أمير المسلمين، وأحق بالأمر منه!.
واستولى النساء على الأحوال، وأسندت إليهن الأمور، وصارت كل امرأة من أكابر لمتونة ومسوفة مشتملة على كل مفسد وشرير وقاطع سبيل وصاحب خمر وماخور4؛ وأمير المسلمين في ذلك كله يتزيد تغافله، ويقوى ضعفه؛ وقنع باسم إمرة المسلمين، وبما يرفع إليه من الخراج؛ وعكف على العبادة والتبتل؛ فكان يقوم الليل ويصوم النهار، مشتهرًا عن ذلك؛ وأهمل أمور الرعية غاية الإهمال؛ فاختل لذلك عليه كثير من بلاد الأندلس، وكادت تعود إلى حالها الأول، لا سيما منذ قامت دعوة ابن تومرت بالسُّوس.
3- المناكر: المنكرات.
4- الماخور: حانوت أو مكان، يُشرب فيه الخمر، وتُمارس فيه أنواع الفجور.