نام کتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق نویسنده : عبد العزيز صالح جلد : 1 صفحه : 526
أم فعله تقديرًا منه لاتساع دولته وصعوبة إشراف شخص واحد عليها. على أنه مهما يكن قصده فقد تنمو كل من الأخين المحظوظين للآخر، وانحاز إلى جانب كل منهما فريق من الأمراء والقادة، وتذبذبت عواطف الأب نفسه بين الفريقين، فبدأ باضطهاد أنصار الابن الأكبر الذين احتجوا على مضمون وصيته وأمر بسفك دماء عدد كبير منهم، ثم ... لتحريض من بقي منهم فعاد واضطهد أعوان الابن الأصغر وتغير قلبه عليه ومات وهو على هذا الإحساس نحوه، بينما ظلت أمه "زاكوتو" صاحبة الحظوة في عهد أبيه، والتي حملت في عهده لقب الملكة الوالدة، وفيه عطوفة لحفيدها الأصغر، وعندما خرج يقاتل إخوته وأعوانهم قامت على رعاية شئونه في العاصمة وأصبح كبار حكام الأقاليم يراسلونها باعتبارها الملكة الوالدة والوصية على العرش ويطمئنوها على ولدها "ويعنون حفيدها"، وينهون إليها أخبار أقاليمهم[1]، وعندما استتب الأمر لحفيدها ظل يتلقى نصائحها[2].
ولم يكن للدولة بعد أن أضاع التنافس على السلطان صواب ملوكها، وبعد أن جرأ الابن منهم على أن يغتال أباه، وجرأ الأخ منهم على الفتك بأخيه، إلا أن تتوقع نازلة قريبة تحل بها وتهد بنيانها. ولكن وقبل أن نصل بالدولة إلى هذه النهاية، نستعرض في الصفحات التالية طرفًا مما اتصفت فبه الحياة الآشورية في فترات مجدها إبان عصرها التوسعي الحديث، من مظاهر الحضارة المادية الفنية والفكرية، إلى جانب ما استدعى السياق التاريخي تصويره متفرقًا في الصفحات السابقة من منظر المعارك وفخامة المواكب وصور استمتاع الملوك، ويلحظ القارئ أننا قد نسهب في شرح نماذج فنية عرقية بأكثر مما أسهبنا في شرح النماذج الفنية المصرية على الرغم من كثرتها، وذلك على أساس ما أصدرناه عن هذه الأخيرة من دراسات مستقلة بها.
صور من الحضارة:
ترك الآشوريون آثارًا عدة في عواصمهم الكبرى آشور ونينوى: وكالح ودورشروكين. وقامت نينوى بالقرب من الموصل الحالية، ووجدت بقايا آثارها في ربوتين رئيسيتين: ربوة قويونجيق في طرفها الشمالي الغربي وهي الأكبر، وربوة النبي يونس في طرفها الجنوبي الشرقي وهي الأصغر. وتوفرت محاجر الألباستر حولها فاستغلها المعماريون فيها في بناء وتزيين قصور ملوكهم. ولعبت المدينة دور العاصمة منذ القرن الثامن عشر ق. م وفيما يعاصر عهد حمورابي، وتجدد حظها في العصر الآشوري الحديث خلال القرن السابع ق. م وفي عهدي سينا خريب وآشور بانيبال بخاصة، حيث بلغ محيط سورها نحو عشرة أميال، وتضمن ما لا يقل عن خمس عشرة بوابة[3]. ولا تزال أطلال معالم مشروعات القنوات والحدائق باقية فيها من عهد سينا خريب، وقد ذكرت نصوصه أن رجاله زوعوا له فيه شجيرات ... التي سموها شجيرات الصوف.
ولم تكتشف كل ربوة قوبونجيق لاتساعها، ولكن الصورة العامة للمنطقة التي تشغلها هي قيام قصر سينا خريب في جنوبها الغربي، وقصر آشور بانيبال في شمالها، وقد اكتشف كلاهما في أوساط القرن الماضي. [1] Harper, Op. Cit, No. 303. [2] Ibid. No. 324. [3] R.C. Thompson, Iraq, Vii, 1940, 91 F.
نام کتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق نویسنده : عبد العزيز صالح جلد : 1 صفحه : 526