نام کتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق نویسنده : عبد العزيز صالح جلد : 1 صفحه : 520
جيوشه الحصار على بابل عامين، حتى تفشت فيها الأوبئة والمجاعات واضطرت إلى التسليم وأشعل أميرها النار في قصره وهلك في لهيبها، ثم زادت جيوش آشور بانيبال بابل خرابًا على خراب ودمرتها "عام650ق. م" تدميرًا عنيفًا لم تفق منه إلا بعد جيل كامل يوم هبت هبتها الأخيرة للانتقام لنفسها وللقضاء على دولة آشور كلها. والغريب أن أنصار آشور بانيبال لم يتورعوا عن تمثيله على لوحة صغيرة باسمًا مستبشرًا يرفع بيده سلة من الخواص المجدول إلى ما فوق مستوى تاجه الطويل، وسجلوا حوله نصوصًا تشيد بفضله في إعادة بناء "إساجيل" مقر مردوك إله بابل[1]. واشتد هذا الملك على الكلدانيين الجنوبيين في أرض البحر في العام نفسه، فاضطر واليهم نابو بعل شوماني حليف أخيه إلى الفرار إلى عيلام. وعين آشور بانيبال "دوباشو" بلاطه واليًا عليهم، ووجه إليهم نداءه قال فيه: "أي خدمي ... سلام لكم وهدأت قلوبكم ... اذكروا فضلي عليكم قبل خطيئة نابو بعل شوماني ... وهأنذا أرسل إليكم بعل ابني الدوباشو الخاص بي ليرأسكم ... " ثم طلب منهم الطاعة وهددهم بإرسال جيوشه عليهم إن مالوا إلى العصيان[2]. وعاش نابو بعل شوماتي لاجئًا في عيلام لبضع سنوات، ثم حدث لسوء حظه أن اغتيل الملك العيلامي الذي آواه، وولي ملك آخر آثر مهادنة آشور بانيبال فأبدى استعداده لتسليمه إليه، ولما ضاقت السبل باللاجئ الكلداني نابو بعل شوماتي أمر تابعه بأن يقتله بسلاحه حتى لا يعاني تعذيب أعدائه، ولكن هذا لم يمنع الآشوريين من التمثيل بجثته حين سلمت إليهم فقطعوا رأسها وحرموا دفنها.
مع إلام "عيلام":
استمر العداء ضاربًا أطنابه بين الجارتين اللدودتين آشور وعيلام، وقد آثرنا التعبير عن هذه الأخيرة بنطق إلام وهو أقرب إلى لغة أهلها التي لا تتضمن العين السامية مع إلحاقه في كثير من الحالات أو إبداله باسم عيلام الشائع استخدامه في المؤلفات العربية. وظلت الانتصارات والهزائم الوقتية الخاطفة دولة بين الفريقين، حتى فت في عضد إلام اختلاف حكامها على أنفسهم بحيث انقسموا فريقين ووقفت جيوشهما بعضها لبعض بالمرصاد على ضفتي نهر الهدهد كما ذكر أحد التقارير الآشورية[3]. فتدخل الآشوريون في مشاكلهم لزيادة نارها وتأليب فريق على فريق، ثم أتت النهاية السياسية لعيلام على يد "جيش" آشور بانيبال فدمر عاصمتها سوسة تدميًرا شاملًا، وذكرت نصوصه أنه استولى على كل كنوزها ولم يدع في قصورها ملوكها شيئًا إطلاقًا إلا وأمر بحمله معه، حتى أواني الطعام والشراب والغسيل، ولم يدع معبدًا فيها إلا أمر بنهبه وتدميره وأسر معبوداته، ولم يدع مقبرة ملكية فيها إلا وأمر بفتح توابيتها وإخراج عظامها ثم نقلها إلى آشور، حتى يحرمها الخلود في أرضها على حد قوله. وزاد في نصوصه أنه ود لو حمل تراب سوسة معه إلى آشور4 "حتى يحرمها البقاء على وجه الأرض إلى أبد الآبدين. وبذلك أخذ بثأر البابليين [1] B. Pritchard, The Ancient Near East In Pictures, Fig 129. [2] Harper, Op. Cit No. 289. [3] Ibid No. 289.
4 ديلابورت: المرجع السابق - ص419 - 421.
نام کتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق نویسنده : عبد العزيز صالح جلد : 1 صفحه : 520