هذه الغزوة وادع بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا [1] .
* أهداف السرايا والغزوات الأولى:
يبدو لدارس سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلم وأسلوبه في التعامل مع قريش في هذه المرحلة، أنه كان يتوخّى من هذه الغزوات والسرايا تحقيق أهداف كثيرة منها:
أوّلا: تدريب المسلمين عمليّا على الطرق والمسالك والأماكن التي ستصبح- مستقبلا- ميادين فعلية للقتال، وساحات للمعارك الحاسمة مع أعداء الله من قريش وغيرها. فالرسول صلّى الله عليه وسلم من خبرته الطويلة في التعامل مع قريش أدرك أنها لن تذعن إلا لقوة قاهرة تعيدها إلى صوابها وتزيحها من طريق الدعوة.
ثانيا: هذه الجهات والأماكن التي اتجهت إليها هذه الغزوات والسرايا الأولى تقع كلها على طريق القوافل الذي تسلكه قريش في طريقها إلى الشام، ولقريش صداقات وعلاقات ودية مع أغلب القبائل المقيمة في هذه الجهات، وهذه القبائل تعرف الكثير من أخبار قريش وتحركاتها، وقوة الحراسة التي تحرس عيرها، فإذا نجح النبي صلّى الله عليه وسلم في كسب ودّ هذه القبائل، وأقام معها علاقات صداقة فسوف يفوز بمعلومات دقيقة عن خطط قريش، وبالفعل حققت تلك الغزوات والسرايا نتائج طيبة في هذا السبيل، وتمكّن النبي صلّى الله عليه وسلم من إقامة علاقات ودّية بل وعقد محالفات دفاعية مع بعض القبائل، كانت لها دلالات عميقة على بعد نظر النبي صلّى الله عليه وسلم في تخطيطه لمستقبل الدعوة الإسلامية. وإليك أنموذجا من هذه المحالفات، الكتاب الذي كتبه النبي صلّى الله عليه وسلم لبني ضمرة بأنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم، وأنّ لهم النّصرة على من رامهم، إلا أن يحاربوا في دين الله ... وأن النبي صلّى الله عليه وسلم إذا دعاهم لنصرته أجابوه، عليهم بذلك ذمّة الله وذمّة رسوله [2] . فأنت ترى من نص هذه المعاهدة أن النبي صلّى الله عليه وسلم لم ينجح فقط في تحييد هذه القبائل، والتي كانت في الأصل صديقة لقريش، بل ذهب إلى أكثر من ذلك، فنجح في عقد معاهدات دفاعية معها، وسوف يكون لهذا أثر كبير في مستقبل العلاقات مع قريش. وهذه المعاهدة [1] ابن سعد- الطبقات الكبرى (12/ 10) ، وابن هشام (2/ 235) ، وابن كثير- السيرة النبوية (2/ 362) . [2] السيرة الحلبية (2/ 125) .