العلاقات بين المسلمين وقريش من الهجرة إلى بدر
عندما هاجر الرسول صلّى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، على الوضع المعروف، لم يكن من خطته أن يبدأ قريشا بالحرب إزاء ما قامت به ضد الدعوة خلال ثلاثة عشر عاما.. بل كانت هناك فترة بين الهجرة وبدر كانت بمثابة «هدنة مسلحة» ، هذه الفترة- وهي موضوع بحثنا- تؤكد لنا أن النبي صلّى الله عليه وسلم لم يكن من خطته حرب قريش ولا تدميرها والقضاء عليها، فهو عليه السّلام- في أصل رسالته- لم يأت لتدمير قريش ولا غيرها، وإنما جاء رحمة للعالمين، ونحن نعرف من سيرته صلّى الله عليه وسلم أنه وهو في أقسى الظروف وعندما بلغ أذى قومه له غاية السوء لم يطلب ولم يتمنّ هلاكهم، وإنما رجا من الله تعالى هدايتهم إلى الصراط المستقيم، وأن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا. فقد ثبت في الصحيحين من طريق عبد الله بن وهب عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها حدثته أنها قالت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من أحد؟ قال: «ما لقيت من قومك كان أشد منه، يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السّلام، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث لك ملك الجبال لتأمره بما شئت. ثم ناداني ملك الجبال فسلّم عليّ ثم قال: يا محمد قد بعثني الله، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال قد بعثني إليك ربك لتأمرني ما شئت، إن شئت تطبق عليهم الأخشبين» . فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا» [1] .
ومن الجدير بالذكر أن الفترة التي نحاول أن نتناولها من سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلم- وهي ما بين الهجرة وبدر- شهدت تحركات عسكرية؛ سرايا وغزوات، ولكن لم يصطدم المسلمون بقريش، وهذا فيما يبدو لنا كأنه كان تلويحا لقريش بالقوة، وإفهامها أن استخدام القوة ضدها لم يكن أمرا مستبعدا من جانب المسلمين، إذا هي لجّت في عنادها، فعليها أن تفكر جيدا في الأمر، وعليها أن تضع في حسابها أنها [1] ابن كثير- السيرة النبوية (2/ 152، 153) .