الله أرسلك، وقال الآخر: أما وجد الله أحدا يرسله غيرك، وقال الثالث: والله لا أكلمك أبدا، لئن كنت رسولا من الله كما تقول، لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك» [1] .
هذا هو موقف زعماء ثقيف من النبي صلّى الله عليه وسلم، وقد تخلوا حتى عن أبسط مبادئ الرجولة والنخوة العربية؛ إذ لم يكفهم أنهم خيبوا أمله فيهم ولم يؤمنوا به ولم ينصروه، بل سبوه وأغروا به سفهاءهم يصيحون به ويشتمونه ويقذفونه بالحجارة.
ورفضوا أن يكتموا أمره، حيث كان يخشى انعكاس الموقف على أهل مكة وشماتتهم به، لكنهم لم يكتموه بل تعمدوا إظهار موقفهم المخزي هذا، لتطمئن قريش على موقفهم معها ومعاضدتها في عدائها للنبي صلّى الله عليه وسلم وسبب له ذلك حرجا وضيقا، فلم يستطع دخول مكة إلا في جوار المطعم بن عدي، ولم يكونوا يدرون أنهم بذلك فوتوا على أنفسهم فرصة نادرة، فلو قبلوا منه ونصروه لسموا أنصارا، ولكن هذا شرف كان الله تعالى قد ادخره لقوم آخرين. ولن يمر وقت طويل حتى يهيئ الله تعالى لدينه ونبيه أنصارا ودارا آمنة في المدينة، وسيتمكن من دحر قريش وإجبارها على قبول الإسلام كارهة، بعد أن رفضته طائعة. وبعد إذعان قريش تحت قوة السلاح، سيأتي دور ثقيف. فبعد إذعان قريش لم يعد في طاقة أحد من العرب أن يقف في وجه الدعوة التي جاءت لتخرج الناس من الظلمات إلى النور. وصدق الله العظيم إذ يقول: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: 32، 33] .
* الحالة الدينية في المدينة قبيل البعثة:
المدينة المنورة؛ ذلك هو الاسم الذي أصبح أشهر الأسماء لمدينة يثرب الحجازية [2] ، بعد أن هاجر إليها كامل النور محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلم، ولا يسمح لنا المقام في هذا الحديث أن نخوض في تاريخ يثرب القديم، وتطورها وعناصر سكانها عبر مراحل هذا [1] ابن هشام- المصدر نفسه (2/ 25، 29) ، الزخرف (32، 33) ، السهيلي- الروض الأنف (4/ 33، 35) ، عيون الأثر (1/ 134) . [2] يقول ياقوت: «ولهذه المدينة تسعة وعشرون اسما؛ وهي المدينة وطيبة وطابة، والمسكينة والعذراء ... » إلخ انظر معجم البلدان (5/ 83) .