القصيرة- نحو عام ونصف- وظهر لي أن هدف هذه السياسة هو محاصرة قريش التي ما فتئت تلاحق المسلمين في مهاجرهم، وتكيد لهم، وتؤلب عليهم مشركي يثرب ويهودها.
أقول: محاصرة قريش لا بهدف إهلاكها؛ بل بهدف ترويضها وحملها على تغيير موقفها من الدعوة الإسلامية، فكثف من حملاته العسكرية- خرجت من المدينة فيما بين الهجرة وبدر ثمان حملات عسكرية أربع غزوات وأربع سرايا- وكان الهدف هو تحييد القبائل القاطنة في المنطقة الساحلية الواقعة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، مثل: خزاعة وجهينة وضمرة ... إلخ؛ لأن هذه القبائل كان لها بقريش علاقات وطيدة، لكن النبي صلّى الله عليه وسلم نجح في الارتباط معها بعدد من المعاهدات كان لها أثر كبير حين حان اللقاء الحاسم في بدر الكبرى.
البحث الرابع: وعنوانه: «العلاقات بين المسلمين والروم في ضوء غزوة تبوك» .
في هذا البحث نوّهت بالعلاقات بين المسلمين والروم في العهد المكي من الدعوة الإسلامية، ووضحت أن المسلمين أظهروا نحو الروم ودّا واضحا أثناء حربهم مع الفرس وتعاطفوا معهم؛ لأنهم أهل كتاب، وأحزنهم أن الفرس كانوا منتصرين على الروم في البداية، ولكن الله سبحانه وتعالى طمأنهم في صدر سورة الروم أن النصر سيكون حليف الروم في النهاية ويومئذ سيفرح المؤمنون بنصر الله. وهذا يؤكد أن الإسلام من خلال نصوص القرآن الكريم كان يود أن تقوم بين المسلمين والروم علاقات وديّة، لا بين المسلمين والروم فحسب بل بين المسلمين وأهل الكتاب على وجه الإجمال؛ والدليل على ذلك: أن الرسول- عليه الصلاة والسلام- حين نصح بعض أصحابه أن يهاجروا من مكة فرارا من اضطهاد أهلها لهم، سألوه: إلى أين يا رسول الله؟ قال صلّى الله عليه وسلم: «إلى الحبشة» ، فسألوه مرة أخرى: ولماذا الحبشة؟ قال:
«لأنها بلاد صدق وفيها ملك لا يظلم عنده أحد» وهذا الملك كما هو معروف كان مسيحيّا وهو النجاشي.
فإذا أضفنا إلى ذلك الرسائل السلمية الودية التي أرسلها النبي صلّى الله عليه وسلم إلى الإمبراطور هرقل، إمبراطور الروم وأكبر عاهل مسيحي على وجه الأرض في ذلك الزمان؛ تأكد لنا مرة أخرى أن الإسلام كان ينشد إقامة علاقات ود وحسن جوار مع الروم وكل أهل الكتاب، وكان من المفترض أن يحدث ذلك، لكن الذي حدث هو