وبعدها، فيقول: «إذا نظر المرء إلى الوراء، إلى تاريخ تطور الاستشراق، ولم يتردد في التبسيط رغبة في زيادة الوضوح، فإنه يستطيع أن يقول: إن بداية الدراسات العربية والإسلامية ترجع إلى القرن الثاني عشر، ففي عام (1143 م) تمت ترجمة القرآن لأول مرة، إلى اللغة اللاتينية، بتوجيه من الأب بيتروس فينيرابيليس، رئيس دير كلوني وكان ذلك على أرض أسبانيا، وعلى الأرض الأسبانية، وفي القرن الثاني عشر أيضا نشأ أول قاموس لاتيني عربي، وفي القرن الثالث عشر والقرن الرابع عشر، بذل رايموندوس- المولود في جزيرة ميورقة- جهودا كبيرة لإنشاء كراسي لتدريس اللغة العربية، وكان قد تعلم اللغة العربية على يد عبد عربي، وكان الهدف من هذه الجهود في ذلك العصر والقرون التالية هو التبشير، وإقناع المسلمين بلغتهم ببطلان دينهم واجتذابهم إلى الدين المسيحي، ويمكن الاطلاع على هذا الموضوع بتفصيلاته في الكتاب الكبير الذي وضعه نور من دانييل باسم «الإسلام والغرب» سنة (1960 م) ، والطبعة الثانية (1963 م) ، وكان موقف الغرب المسيحي في العصر الوسيط من الإسلام هو موقف العداء والمشاحنة فحسب، حقيقة إن العلماء ورجال اللاهوت في العصر الوسيط كانوا يتصلون بالمصادر الأولى في تعرفهم على الإسلام، وكانوا يتصلون بها على نطاق كبير، ولكن كل محاولة لتقييم هذه المصادر على نحو موضوعي نوعا ما، كانت تصطدم بحكم سابق، يتمثل في أن هذا الدين المعادي للمسيحية لا يمكن أن يكون فيه خير، وهكذا كان الناس لا يولون تصديقهم إلا تلك المعلومات التي تتفق مع هذا الرأي المتخذ من قبل، وكانوا يتلقفون بنهم كل الأخبار التي تلوح لهم مسيئة إلى النبي العربي ودين الإسلام» [1] .
هذا هو اعتراف واحد من كبار المستشرقين الأوربيين المعاصرين، بأن موقف العداء والتعصب من طائفة كبيرة من المستشرقين، وبصفة خاصة رجال اللاهوت ضد الإسلام ورسوله ورسالته، هذا الموقف العدائي لم يتغير حتى بعد احتكاكهم الطويل بالمسلمين في الحروب الصليبية، واطلاعهم على الحضارة الإسلامية، وعلى التسامح الإسلامي الذي كان يتحلى به القادة المسلمون تجاه الصليبيين، وبصفة خاصة صلاح الدين الأيوبي الذي ضرب أروع الأمثلة في التسامح مع الأعداء، ومعاملتهم معاملة كريمة [2] . [1] رودي بارت- الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الإلمانية (ص 9، 10) ، ترجمة د. مصطفي ماهر، دار الكتاب العربي- القاهرة. [2] محمد العمروسي المطوي- الصليبية في المشرق والمغرب (ص 85، 86) .