بجهلهم واتبعوه، ولم يلبث هؤلاء الجياع أن عاثوا بدينهم هذا في الأرض فسادا يفتحونها بسيوفهم، حتى كان ما كان، ودان لهم من غوغاء الأمم من دان، وقامت لهم في الأرض بعد قليل ثقافة وحضارة جلها مسلوب من ثقافات الأمم السابقة، كالفرس والهند واليونان وغيرهم، حتى لغتهم كانت مسلوبة وعالة على العبرية والسريانية والآرمية والفارسية والحبشية، ثم كان من تصاريف الأقدار أن يكون علماء هذه الأمة العربية من غير أبناء العرب (الموالي) ، وأن هؤلاء هم الذين جعلوا لهذه الحضارة كلها معنى.
هذا هو جوهر الصورة التي بثها المستشرقون في كل كتبهم عن دين الإسلام، وعن علوم أهل الإسلام، وفنونهم، وآثارهم وحضارتهم، وأن هذه الحضارة إنما هي إحدى حضارات القرون الوسطى المظلمة، بثوا تلك الصورة في كل كتبهم، بمهارة وحذق وخبث مغرق، وبأسلوب يقنع القارئ الأوربي المثقف الآن كل الإقناع، وتنحط في نظره حضارة الإسلام وثقافته، انحطاط القرون الوسطى، ويزداد بذلك زهوا؛ فإن أسلافه من اليونان والأوربيين كانوا هم ركائز هذه الحضارة المزيفة الملفقة دينا ولغة وعلما وثقافة وأدبا وشعرا، ويزداد الأوربي- أيّا كان- غطرسة وتعاليا وجبرية، ولا يرى في الدنيا شيئا له قيمة إلا وهو مستمد من أسلافه الأوربيين» [1] .
وإذا كان أحد يرتاب في هذا الكلام، ويدعي أنه رأي عالم مسلم متحامل على المستشرقين، فإليك أنموذجا من كلامهم وآرائهم في الإسلام والمسلمين.
يقول المستشرق الفرنسي كيمون في كتاب له بعنوان «باثالوچيا الإسلام» : «إن الديانة المحمدية جذام تفشى بين الناس، وأخذ يفتك بهم فتكا ذريعا، بل هي مرض مريع وشلل عام، وجنون ذهولي يبعث بالإنسان على الخمول والكسل، ولا يوقظه منها إلا سفك الدماء، أو يدمن على معاقرة الخمر، ويجمح في القبائح، وما قبر محمد إلا كعمود كهربائي يبعث الجنون في رؤوس المسلمين، ويلجئهم إلى الإتيان بمظاهر الصرع العامة، والذهول العقلي» [2] .
هذا هو علم معظم المستشرقين، وهذه هي آراؤهم ونظرتهم إلى الإسلام ورسوله ورسالته، وهذه النظرة الحاقدة الظالمة هي التي ترسبت في الذهنية الأوربية إلى يوم الناس هذا، وحتى إذا وجد بعض المصنفين من المستشرقين، الذين قالوا كلمة الحق [1] العلامة محمود محمد شاكر- رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (ص 84- 86) ، طبع دار الهلال بالقاهرة (1991 م) . [2] نقلا عن كتاب «الفكر الإسلامي الحديث» للدكتور محمد البهي (ص 51) .