والرهبان هم أشد حقدا على الإسلام والمسلمين، وكل مؤلفاتهم لتشويه صورة الإسلام في نظر الغربيين.
وإذا كانت الحروب الصليبية قد فشلت في تحقيق أهدافها العسكرية كما هو معروف، وأن قوة إسلامية فتية قد بزغت بعد ذلك بقليل منذ مطلع القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي في إقليم الأناضول؛ وهي الإمارة العثمانية التي تحولت بسرعة إلى دولة ثم إمبراطورية [1] متوسعة على حساب أراضي الدولة الرومانية الشرقية، ثم فتحت معظم أوربا الجنوبية الشرقية، وتوجت ذلك بفتح القسطنطينية سنة (857 هـ/ 1453 م) ، وبذلك قضت تماما على تلك الدولة المسيحية العتيدة، التى كانت تمثل الفخر والاعتزاز لكثير من الأوربيين، ولا شك أن سقوط الدولة الرومانية الشرقية وعاصمتها في قبضة العثمانيين قد أوجد شعورا بالمهانة والمذلة في كل أوربا، ولا سيما وأن الخطر العثماني قد تعاظم، وأخذ يهددهم تهديدا شديدا، وأثار الرعب في نفوسهم لأكثر من قرنين من الزمان، وأوشك العثمانيون على الاستيلاء على فيينا، ثم أخذ التاريخ يغير مساره، فتكالبت كل دول أوربا على الدولة العثمانية، وظلت توالي الضغط عليها، حتى قضت عليها في نهاية الحرب العالمية الأولى سنة (1918 م) واقتسمت دول أوربا الكبرى المنتصرة في الحرب- وبصفة خاصة انجلترا وفرنسا- ممتلكات الدولة العثمانية في الشرق.
وفي نفس التوقيت تقريبا الذي بدأ فيه الضغط الأوربي على الدولة العثمانية، كانت الكنيسة الكاتوليكية في روما وراء طرد المسلمين من أسبانيا، والقضاء على وجودهم الذي دام هناك نحو ثمانية قرون، ولم يكتف البرتغاليون والأسبان بطرد المسلمين من الأندلس، والتنكيل بهم في وحشية وهمجية، بل أخذوا يلاحقونهم إلى الشمال الإفريقي.
ثم كان اكتشافهم لطريق رأس الرجاء الصالح في نهاية القرن الخامس عشر الميلادى، وتطويق العالم الإسلامي من الخلف، كل ذلك بتحريض سافر من الكنيسة، ونجح الأوربيون في إحكام سيطرتهم على العالم الإسلامي منذ ما يقرب من خمسة قرون، ولا تزال تلك السيطرة مستمرة، بل ازدادت ضراوة وقسوة بفضل التقدم المذهل في الاختراعات العسكرية، ووسائل التجسس والاتصالات وجمع المعلومات، ولم يحدث أن أحس المسلمون بالذل والهوان وفقدان الكرامة [1] راجع عن نشأة الدولة العثمانية وتطورها: كتاب الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها، للدكتور عبد العزيز محمد الشناوي (1/ 33) وما بعدها.