الحرية والكرامة الإنسانية، والشورى الإسلامية أعظم من الديمقراطية الغربية، ويوم أن كانت الشورى الإسلامية مطبقة، وعندما كانت تجد من الحكام من يلتزم بها كان العالم الإسلامي هو العالم الأول على ظهر الأرض، الأول في نظافة الحكم وعدالته، الأول في العلم والمدنية، الأول في الثروة، الأول في التسامح مع الشعوب غير الإسلامية وإشاعة روح الود بين الناس، يقول الإمام الغزالي رحمه الله: «إن طريقة الإسلام في إدارة دفة الحكم هي التي جعلت الشعوب تفتح له ذراعيها؛ لأن الحكم كان عبادة لله، ولم يكن شهوة نهوم إلى العظمة، أو مفتون بالسلطان، وإدراك أن الحكم مسؤولية مؤرقة هي التي جعلت الخليفة في المدينة المنورة يعد نفسه مسؤولا عن أطراف الدولة البعيدة» . حتى قال عمر: «لو عثرت بغلة في العراق لحسبت عمر مسؤولا عنها: لم لم يسوّ لها الطريق؟» [1] . ويوم أن صاح عمر في أميره على مصر- عمرو بن العاص-: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!» في قضية مشهورة، يوم أن صاح عمر بن الخطاب هذه الصيحة المدوية في الربع الأول من القرن الهجري الأول، النصف الأول من القرن السابع الميلادي، كانت هذه الصيحة غريبة على الناس، فلم يعرف التاريخ حاكما قبل عمر بن الخطاب جرى على لسانه مثل هذه الكلام. ولكنه الإسلام وتربية الرسول صلّى الله عليه وسلم لصحابته على الحرية والعزة والكرامة هي التي فاضت على هؤلاء الرجال وجعلت هذه الكلمات المباركات تجري على ألسنتهم، ولم تكن كلاما فقط للاستهلاك المحلي، إنما كانت سلوكا وأسلوبا للحكم وسياسة عملية يسوسون بها عباد الله. لقد فهم عمر من كتاب ربه ومن سنة نبيه وصحبته أن الناس يولدون أحرارا، فليس لأحد حق في أن يستعبدهم [2] .
والعجيب أن الغرب لم يصل إلى ما وصل إليه من الديمقراطية والحرية إلا على تلال من الأشلاء وبحور من الدماء، أما المسلمون فقد منحهم الله تعالى الحرية والكرامة والعزة ومنحهم طرازا عاليا من الحكم النزيه هدية من السماء، ولكنهم للأسف لم يصونوا هذه الهبات الإلهية ولم يحافظوا عليها، فالت أحوالهم إلى ما آلت إليه من سوء.
كنت أريد أن أتحدث عن المزيد من المشكلات التي يعانيها المسلم في المجتمعات [1] الإمام محمد الغزالي- نظرة على واقعنا الإسلامي المعاصر- الطبعة الثانية، دار ثابت القاهرة (1983 م) (ص 24) . [2] المرجع السابق (ص 25) .