القرن العشرين، بل جاء السقوط وحل الانهيار أسرع مما توقع، لا أريد للحديث أن يجنح بنا بعيدا عما قصدنا إيضاحه في هذا البحث، وهو أن الولايات المتحدة جاءتها فرصة نادرة لتوجيه الضربة القاضية لعدوها الخطير الاتحاد السوفيتي، دون أن تدخل هي بشكل مباشر ودون أن تتكلف الكثير، فها هم المسلمون جاهزون ليقوموا بالدور نيابة عنها وحماسهم لدحر الشيوعية لا حدود له، ومبدأ الجهاد الإسلامي أنجح وسيلة لتحقيق كل هذا، وهكذا أخذت الولايات المتحدة تحرض الدول الإسلامية المتحالفة معها، سواء أكانت قريبة من أفغانستان أو بعيدة عنها، أخذت تحرض الدول الإسلامية لحشد المجاهدين وملأ الساحة الأفغانية بالشباب المسلم، الذي أخذ يتدافع بقوة وبحماسة لا نظير لها من أجل نصرة أشقائهم في العقيدة، وذهب عشرات الآلاف من مصر والسعودية واليمن والأردن والسودان وفلسطين والعراق وسوريا ولبنان، وبلاد المغرب العربي، ومن باكستان وإيران وغيرها من الدول الإسلامية، بل تطوع شباب مسلم للدفاع عن أفغانستان ضد الغزو السوفيتي من مسلمي أمريكا وأوربا، وقد وصل عدد هؤلاء المجاهدين- من كل تلك البلاد- نحو ربع مليون مجاهد، وأطلق عليهم المجاهدون الأفغان.
«وجعلت لهم أمريكا مراكز يتجمعون فيها قريبا من الحدود الأفغانية الباكستانية في مدينة بشاور بغربي باكستان، وكانوا يتلقون في هذه المراكز تدريبا عسكريّا مكثفا، على حرب العصابات، تشرف عليه الولايات المتحدة الأمريكية، وتدعمهم بالسلاح [1] ، وكانت بعض الدول البترولية، وعلى رأسها السعودية تدعمهم بالمال، وقدمت دول عربية أخرى وعلى رأسها مصر، الدعم بالرجال، وكانت عملية التطوع تتم تحت نظر السلطات، أو حتى بإيعاز منها [2] .
ونجحت هذه القوات المجاهدة في جعل مهمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان مستحيلة، وأجبرته على أن ينسحب في مشهد من أصعب مشاهد التاريخ، حقّا لقد كان انسحاب السوفييت من أفغانستان مخزيا، وهل هناك أخزى من أن يفر جيش عملاق مدجج بالسلاح المتطور من أمام المجاهدين، الذي كان معظم تسليحهم من مخلفات الحرب العالمية الثانية، ولقد رويت في ذلك أعاجيب تناقلتها [1] ريتشارد نيكسون- انتهزوا الفرصة (ص 13) . [2] د. مصطفى رمضان، مرجع سابق (ص 78، 79) .