فبالموقع الجغرافي توضح الخريطة السياسية حقيقة مهمة، وهي أن أطول حدود مشتركة مباشرة للاتحاد السوفيتي هي مع الدول الإسلامية، ابتداء من الباكستان وأفغانستان، عبر إيران وتركيا، هذا فضلا عن أن جسم العالم الإسلامي الأساسي في مجموعه بعد هذا ظهير ضخم للكتلة الشيوعية، وإذا نحن حللنا جوهر الحلف على ضوء هذه الحقائق فسنجد أنه أساسا وفي الدرجة الأولى جزء لا يتجزء من استراتيجية الغرب لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ أعني إستراتيجية «الإحاطة والتطويق» المشهورة، التي تهدف إلى حصار الكتلة الشرقية عامة والاتحاد السوفيتي خاصة بسلسلة متصلة الحلقات من الأحلاف السياسية والعسكرية؛ تبدأ من النرويج حتى اليابان والحلف بهذا موجه إلى الخارج، أعني أنه يجند العالم الإسلامي ككل لينظر إلى خارج حدوده، وبالتحديد نحو تخومه الشمالية، وبعبارة أخرى- ورغم المخاطرة بالتكرار- ينبغي أن نصرّ على أن الحلف كان تعبيرا عن استراتيجية الكتلتين، وانعكاسا لمنطق الاستقطاب الثنائي، والحلف بهذا ليس حلفا دينيّا، رغم الاسم، ولكنه حلف سياسي عسكري [1] .
هذا الحلف لم يكتب له النجاح بل مات بالسكتة القلبية لكن الغرب لم ييأس، وإنما فكر على الفور في بدائل له، تخلو من القناع الديني، وتكون سياسية وعسكرية، وكان أولها هو ما يسمى بمنظمة الدفاع عن الشرق الأوسط [2] أو الميدو Medo التي تمتد من تركيا حتى الباكستان ومن إيران حتى مصر. «وقدم الغرب بنفسه هذا المشروع.. لكل من العرب وإسرائيل، فكانت تلك الخطوة القاتلة التي أودت بالمشروع في مهده. ومن هذه التجربة الحرجة بدأ الغرب يعدل تكتيكه- الغزو من الداخل- بدلا من أن يفرض الحلف نفسه من الخارج، والتمويه- هذه المرة- بمواجهة إسرائيل، بدلا من المشاركة معها، ومن هنا كان حلف بغداد؛ الذي دعت إليه- شكليّا- دول في منطقة الشرق الأوسط، للدفاع والأمن المشترك، وروجت له- تضليلا- على أساس أنه دفاع وحماية ضد إسرائيل والصهيونية. وقد تألف الحلف من باكستان وإيران والعراق وتركيا، [1] د. جمال حمدان، المرجع السابق (ص 146) . [2] راجع كتاب الرئيس الأسبق نيكسون- انتهزوا الفرصة (ص 55) ترجمة حاتم غانم. الطبعة الأولى سنة (1992 م) القاهرة.