الذي جدد انطلاق الإسلام إلى غرب أوربا عن طريق الأندلس [1] .
لقد بذل الأمويون جهودا كبيرة طوال نحو ثلاثة قرون- عمر دولتهم في الأندلس- لبناء نهضة حضارية عربية إسلامية عظيمة، ولم يدخروا جهدا في نقل العلوم العربية الإسلامية، من المشرق الإسلامي من فقه وتفسير وحديث وأدب ... إلخ.
وظهر في كل تلك العلوم علماء مبرزون وضعوا مؤلفات خلدت أسماءهم، وكذلك نقلوا العلوم التي ترجمت في المشرق، مثل الطب والهندسة والفلك والرياضيات والكيمياء والفيزياء ... إلخ. وظهر كذلك في كل تلك العلوم علماء كان لهم شأن عظيم، ولا يتسع المجال حتى لضرب الأمثلة؛ لأن تلك الأسماء فوق الحصر، ويتضح ذلك لمن يطالع بعض أمهات الكتب الأندلسية مثل «تاريخ علماء الأندلس» لابن الفرضي، و «جذوة المقتبس» للحميدي، و «الصلة» لابن بشكوال، و «نفح الطيب» للمقري، و «الإحاطة في أخبار غرناطة» لابن الخطيب، و «فهرس ابن خير» ، و «الزخيرة» لابن بسام ... إلخ.
ولقد نجح الأمويون في تحقيق ما قصدوا إليه من بناء نهضة حضارية عربية إسلامية عظيمة على أرض الأندلس وجعلوا منها البقعة الوحيدة المضيئة في غرب أوربا في عصورها الوسطى المظلمة، ولا أدل على ذلك من كثرة المؤلفات التي وضعها الأوربيون أنفسهم إشادة بهذه الحضارة والتي وردت بعض أسمائهم في ثنايا هذا البحث ولا نريد التكرار خوف الملال على القارئ.
المهم أن الناس هناك في الأندلس في ذلك الزمان البعيد عاشوا تلك الحضارة العظيمة واستمتعوا بخيراتها وثمارها وبركاتها فسكنوا أجمل المدن، حيث كانت المدن الأندلسية في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي- وهو عصر الأندلس الذهبي في تاريخها كله- أعمر المدن في القارة الأوربية من أقصاها إلى أقصاها، فبيوتها وشوارعها نظيفة، مبلطة ومضاءة بالمصابيح ليلا وترش بالمياه نهارا، وكان سكان مدينة قرطبة- عاصمة الأمويين- وحدها يزيدون على مليون مواطن، وقلما عرفت مدينة في الشرق والغرب مثل هذا العدد من السكان في ذلك الزمان، والناس كلهم تقريبا يتعلمون أفضل تعليم وكان التعليم مجانيّا لغير القادرين، وإجباريّا [1] د. محمد عيسى الحريري- الدولة الرستمية بالمغرب الإسلامي، دار القلم الكويت، الطبعة الثالثة، (1408 هـ/ 1987 م) ، (ص 220) .