وخلاصة القول: أن الأندلس في العصر الأموي (138- 442 هـ/ 756- 1031 م) قد اجتمع لها من أسباب القوة ما بوأها مكان الصدارة بين الدول الإسلامية، وأصبحت قرطبة مركز الجاذبية السياسية في غرب أوربا، إليها تتجه الأنظار في طلب المودة ونشدان العلاقات الدبلوماسية [1] ، إلى قرطبة جاءت وفود الدول الكبرى من أوربا، من القسطنطينية وفرنسا وألمانيا، أما نصارى شمال أسبانيا فكانوا يعتبرون عبد الرحمن الناصر (300- 350 هـ/ 912- 961 م) مرجعهم وحكمهم في خلافاتهم.
وخير ما نختم به هذه السطور قول العلامة أميلوجارثيا جومث: «لقد كانت الخلافة القرطبية بناء هائلا، لم يولد صدفة؛ لأنه أتى ليتوج فترة طويلة من التشكل ومن السعي لتحقيق التوازن والتالف بين السلالات والعناصر المختلفة للمجتمع، فقد قامت على هدف وغاية سامية، وتشبعت بالتراث، وكان لها فن مميز ... وكان لديها نظم إدارية فعالة، وفي خدمتها عائلات متمرسة لعدة أجيال على السياسة، واقتصادها- حسبما نعلم- كان ينعم بالازدهار والصحة؛ والدليل على ذلك أن الحكم الثاني (350- 366 هـ/ 961- 976 م) قام قبل موته بقليل بتخفيض الأعباء الضريبية على رعاياه، لقد كانت باختصار دولة قوية متحضرة، لا منافس لها على الإطلاق في عالم الغرب» [2] ا. هـ.
يروي المقري أن عبد الرحمن الناصر ترك في خزائنه عند وفاته ما يقرب من عشرين مليون دينار ذهبا [3] . إذا أخذنا في الاعتبار أن هذا الذي تركه عبد الرحمن الناصر، وهو مبلغ هائل بحساب تلك الأيام- كان فائضا بعد سلسلة المشاريع العمرانية الكثيرة التي قام بها مثل مدينة الزهراء والإنفاق العسكري والمدني الهائل- إذا أخذا ذلك في الاعتبار أدركنا درجة الثراء والرخاء الاقتصادي الذي كانت تتمتع به الأندلس في العصر الأموي، والذي انعكس بدوره على الحياة الاجتماعية.
* دور الأمويين في نقل الحضارة العربية الإسلامية إلى الأندلس:
في الصفحات السابقة قدمنا صورة موجزة للغاية عن الأمويين في التاريخ [1] راجع ليفي بروفنسال- تاريخ أسبانيا الإسلامية في العصر الأموي، مرجع سابق (ص 352- 403) . [2] ليفي بروفنسال- تاريخ أسبانيا الإسلامية، مرجع سابق (ص 25) . [3] نفح الطيب (1/ 154) وما بعدها.